إلى اللقاء ، الراحة المسلوبة

ت + ت - الحجم الطبيعي

لماذا أطاح الانسان بسعادته عندما قيد نفسه بأساور التكنولوجيا معتقداً انها ستكون فاتحة خير عليه بينما هي في واقع الامر سجن مزعج أو عين تراقبه, وفي أحسن احوالها تسلب راحته وتحرمه من الانفراد بنفسه. كثيرون من الذين اعرفهم يشكون من الهاتف النقال الذي حول حياتهم إلى جحيم لا يطاق, لانهم مطاردون من الاصدقاء والعمل والاهل فلم يعرفوا شيئاً من الخصوصية بعدما احتل النقال راحة يدهم بدلاً من السبحة أو علاقة المفاتيح أو الصحيفة وربما الكتاب. ولأننا شعب مستهلك للتكنولوجيا وغير منتج لها, فاننا لا نعرف كيف نستخدمها وما هي مضارها الاجتماعية والنفسية والصحية, فترانا نكثر من الحديث عبر الهاتف النقال ريثما تنتهي الطريق الطويلة الى العمل او ترانا نزجي تمضية الوقت بالثرثرة عبر الهاتف النقال وكذلك نتبادل النكات والاغاني وغيرها مما لا يفيد ولا ينفع. ولأننا شعب يعيش فوضى الوقت ولا يعرف الوقت المناسب لاستخدام التكنولوجيا ترانا نهاتف الآخرين كيفما اتفق واينما كان المكان والوقت. وحتى نلصق حقائق الكتابة بواقع الحياة نقول ان الهاتف النقال لموظف ما يرن خلال راحته للجواب عن سؤال يمكن ان يؤجل الى المساء أو الى يوم لاحق. وهذا ما حدث معي.. أو يحدث معي دائماً, وهو بالتأكيد يحدث لكثيرين غيري فقد هاتفني احد الاشخاص مستفسراً عن وصول اوراق ارسلها لي عبر الفاكس يوم الاربعاء فقلت له: لا علم لي بها, فأصر على أنه ارسلها لي يوم الاربعاء, وعندها لم اجد مناصاً من القول: حسناً ايها السيد سأذهب الآن الى مكتبي الذي يبعد عن منزلي حوالي ثلاثين كيلو متراً علماً أن اليوم هو الخميس وسأبحث في مجموعة الاوراق التي على مكتبي للتأكد من ان (فاكسك) قد وصلني مشفوعاً بدعواتك الطيبة لي براحة وهناءة البال وعندها ادرك مدى غضبي فقال: يا استاذ اني اسأل فقط, فقلت له مشجعاً: ما رأيك ــ وبما انه اليوم عطلة ــ ان تذهب لصيد السمك فقد تتحق لك فائدتان الاولى ان تفوز بسمكة تشويها وتأكلها بلذة, والثانية ان تتعلم الصبر وطول البال ريثما يأتي يوم السبت فأخبرك أن فاكسك المحترم قد وصل سالماً غانماًَ. ان قصصاً كهذه تتكرر كثيراً في حياة كل منا, ولكن نفراً من الذين يتعرضون لأسئلة كثيرة كهذه يعملون على اقفال هواتفهم النقالة ايام الخميس والجمعة والعطل الاخرى حتى يتخلصوا من ازعاجات الهاتف النقال, فيحصلون على راحة اعصابهم وملاذ سعادتهم. ولكن انا من هؤلاء الذين يتعاملون مع الهاتف النقال بروح اخلاقية عالية, بحيث اني أرد على جميع المكالمات التي تصلني من ارقام مجهولة وأرد على جميع الاسئلة التي تطاردني خارج العمل حتى لو كان سؤالاً سخيفاً على شاكلة: متى ستعود الى العمل ــ لانه من الطبيعي أن اعود يوم السبت ــ وعلى هذه الشاكلة نجد أن التكنولوجيا اطاحت بسعادتنا, فاذا لم نثرثر على الهاتف سنفتح جهاز التلفزيون ونتابع اخباراً منغصة, أو مطربة لهلوبة تغني بلغة منقرضة, أو برنامج مسابقات يفرط براغي الاعصاب لسذاجته, لذلك أشعر بالحسد تجاه الذين لا يملكون اجهزة هاتف نقال وهم قلة في مجتمعنا واحسدهم على مقاومتهم لنداء التكنولوجيا وعلى قدرتهم تجاوز عصر الغوغاء والضجيج, واتمنى أن انتمي الى حزبهم, لكن ماذا يفيد البكاء على اللبن المسكوب أو على رنين متواصل للهاتف بجانبي يدفعني للرد على شخص يسألني: هل انتهيت من كتابة مقالك؟ ــ نعم انتهيت (نقطة). حسين درويش

Email