العراق والعالم ،بقلم ، احمد عمرابي

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما ان اعلنت بغداد قرارها بأنها تعتزم رفض التعامل بالدولار الامريكي كوسيلة دفع عن صادراتها النفطية والاستعاضة عنه بعملة اليورو الاوروبية حتى سرت قشعريرة في اسواق العملات العالمية من نيويورك، الى هونج كونج عبورا بلندن, اخذت بعدها قيمة اليورو في الارتفاع مقابل الدولار ورغم ان اليورو اخذ لاحقا يتأرجح بين علو وهبوط الا ان حركة اسواق العملات برهنت ان للقرار العراقي تأثيرا حتى قبل ان يوضع موضع التطبيق. هذا مثال واحد لما يمكن ان يحدث اذا استطاع العراق استرداد سيادته الاقتصادية والمالية بصورة كاملة.. اي اذا صدر قرار دولي بوضع نهاية لنظام العقوبات المفروضة عليه لمدى عشر سنوات حتى الآن, فهل تلوح مؤشرات على الافق القريب بأن زوال العقوبات لم يعد بعيدا؟ المشهد الذي نراه الآن يوحي وكأن العقوبات قد زالت فعلا: طائرات تنقل وفودا الى مطار صدام الدولي من انحاء مختلفة في العالم, والرئيس العراقي يستقبل شخصيات عالية المستوى من مختلف الدول بمن في ذلك رؤساء حكومات ومبعوثي رؤساء وبالاضافة الى الوفود الشعبية ذات الطابع الثقافي او السياسي تتقاطر وفود رسمية لبحث شئون تجارية وعقد صفقات وتوقيع عقود, ولعل من ابرز الشخصيات الرسمية الزائرة رئيس وزراء الاردن ومبعوث ملك المغرب ووزير خارجية ايران ووزير خارجية روسيا, ويتقاطر الزوار وعلى الخلفية معرض بغداد الدولي, وفي هذه الاثناء رفعت مصر مستوى تمثيلها الدبلوماسي مع العراق الى مستوى سفير. والرسالة واضحة: العالم يريد الغاء العقوبات اما لاسباب انسانية كما تطالب منظمات شعبية فرنسية وبريطانية وعربية واسلامية واما بدوافع المصالح الحيوية العليا لحكومات دول كبرى كفرنسا وروسيا والصين وغيرها. والنتيجة هي ان نظام العقوبات يتآكل بتسارع ملحوظ.. مشكلا بذلك حرجا متعاظما للدولة الكبرى الوحيدة التي تصر على ابقاء العراق تحت حصار ابدي, فهل تفلح الضغوط العالمية المتصاعدة لصالح العراق في حمل الولايات المتحدة على تغيير موقفها؟ ابتداء لن يتسنى ادراج قضية العراق على جدول مجلس الامن الدولي قبل ان يتم تنصيب رئيس امريكي جديد في 20 يناير المقبل وفي هذه الاثناء لن تزداد واشنطن الا حرجا.. فمن ناحية سوف تتعاظم ضغوط القوى الكبرى الاخرى المتلهفة انطلاقا من مصالحها تجاه السوق العراقية الى تحرير القرار الاقتصادي ــ السياسي لبغداد من اي قيد, ومن ناحية اخرى تتصاعد الانتفاضة الفلسطينية لتسلط المزيد من الاضواء العالمية على الازدواجية التناقضية الامريكية في التعامل مع كل من العراق واسرائيل: تعنت وتصلب ضد دولة مدمرة لم تعد تشكل خطرا على احد.. فقط لانها عربية يقابله دعم فاضح ومساندة انحيازية لدولة تمارس قمعا دمويا وحشيا بصورة يومية على شعب لا يريد الا حقه المشروع في الاستقلال بموجب القانون الدولي.. فقط لان الدولة القامعة يهودية والشعب المقموع عربي. بذريعة (الشرعية الدولية) تتمسك الولايات المتحدة ببقاء العقوبات على العراق.. ولكن مع اتساع الحركة العالمية لكسر الحظر, وبالتالي تآكل العقوبات, لم تعد هذه (الشرعية) سوى نكتة.

Email