استراحة البيان ، مزايا التعصب فى هذه الألعاب ، يكتبها اليوم: محفوظ عبدالرحمن

ت + ت - الحجم الطبيعي

ماذا تفعل إذا كنت مثلى لا تعرف فى كرة القدم الفرق بين الكرة ورأس اللاعب, ثم تجد أن البلد كله يتفرج على مباراة كرة القدم؟ حدث هذا معى ذات مرة فى السبعينات ودون مقدمات. فلقد أتى إلي المخرج الكبير عباس ارناؤوط لنقوم ببعض مقابلات عمل. ورغم انه كان لدينا مواعيد مسبقة إلا أننا فوجئنا بالاعتذار عنها وتأجيلها. ولما سألت فى دهشة عن السبب قالوا لى: انه كأس العالم! وذهبنا إلى أحد الاستوديوهات لمقابلة بعضهم دون موعد, وفوجئنا بأن الاستوديو أيضا مغلق وهكذا أدركنا أهمية المباراة. فعدنا الى الصحف لنعرف انها مباراة على كأس العالم بين هولندا والارجنتين. وهكذا وجدنا أنفسنا أمام التليفزيون نستعد على غير سابق معرفة لمشاهدة المباراة بكل ما يستعد به المتفرجون الخبراء من مأكولات ومشروبات. ولم يكن ينقصنا الا معرفة ما يفعله المتفرجون عادة. قلت له اننى أعرف أن التعصب جزء أساسى من الفرجة, واقترحت أن يؤيد كل منا بلدا. ولكن عباس رفض مدعيا أنه لا يستطيع أن يختلف معى ولو فى الفرجة على كرة القدم. وبمناسبة التعصب الكروى أذكر قصة غريبة من الستينات. فلقد كنت من سكان مصر الجديدة, وكانت وسيلة المواصلات المفضلة عند عودتى الى البيت ظهرا هى ركوب تاكسى بالنفر يدفع كل راكب عشرة قروش وهى عملة اختفت الآن. وفى التاكسى دارت مناقشة عارمة بين ثلاثة من الركاب حول مباراة استخدمت فيها الأحجار من الجمهور. وكان الصامت فى النقاش أنا والسائق. أنا لأننى لم أكن أعرف عما يتكلمون والسائق لأنه كان يبيت أمرا كما عرفت فيما بعد. فلقد سأل أحدهم (ولقد استنتجت أن هذا الأخير زملكاوى): * هل نادى الزمالك هو نفسه نادى فاروق؟ ــ فأجاب الراكب الزملكاوى بحماس انه هو نفسه, فقال السائق ببرود: ــ إذن هو ناد بلا مبدأ. فالنادى الذى يغير اسمه لا مبدأ له. وكانت قنبلة تعنى انحياز السائق إلى الاهلاوى الوحيد لترجح الكفة. اثنان مقابل اثنين. * ولما قال أحد الراكبين من انصار الزمالك للسائق: ــ وهل يصح يا أسطى أن يستخدم جمهور الأهلى الطوب والأحجار لضرب لاعبى الزمالك. * قال السائق بثقة: ــ طبعا يصح. أنا لم تفتنى مباراة للأهلى الا إذا كانت خارج القاهرة. وأنا لا أذهب للمباراة للفرجة فقط, بل أيضا للدفاع عن فريقى. فإذا دعت الضرورة استخدم الطوب والأحجار. ولو كان فى يدى مدفع رشاش لاستخدمته للقضاء على الفريق المنافس. يومها عرفت لأول مرة أن الجنون ليس قصرا على الكتاب فقط, بل قد يضم محبى كرة القدم. وأعود إلى مباراة كأس العالم وقد رفض صديقى أن ننقسم وصمم على أن نؤيد نفس الفريق. ودخلنا بجهل فى مناقشة حامية عن تعيين الفريق الذى ننحاز له. ورفضت بشدة أن ننحاز الى هولندا لأن اللوبى الصهيونى كان نشطا فيها هذه الأيام. واقترحت أن ننحاز الى الارجنتين فهى فى النهاية احد بلاد العالم الثالث مثلنا. وهذا ماحدث. واتضح بعد ذلك اننا من قلة ضئيلة جدا تحمست للأرجنتين فلقد كان التيار العام مع فريق هولندا. ومن الغريب اننا بعد عشر دقائق من المباراة كنا نصرخ حماسا لما نرى. وهذا بالضبط ما أردته عندما تساءلت: هل انحاز الى جورج بوش الابن أم إلى آل جور. اللعبة لا أعرفها بالضبط كما لا أعرف كرة القدم. وطرفا اللعبة سواء بالنسبة لى. لا أفضل احدهما على الآخر. ولكننى فشلت فى الاختيار. وكان لابد من الانحياز. أنت لا تستطيع الا أن تنحاز الى أحد الديكين فى مباراة صراع الديكة. وللأسف الشديد ينحاز الجميع الى مصارع الثيران. ولما كنت منحازا الى الثور فلقد رفضت حضور هذه المباريات الوحشية. وهاتفت عباس متسائلا عن موقفه من كلا المرشحين, فرد بفاصل من السباب فى الاثنين يطول جميع أفراد أسرتيهما. ولذلك أخذت أوازن بين كلا المرشحين محاولا أن أجد فى احدهما مايجعلنى أنحاز له. حتى الصور تأملتها فرأيت أن آل جور من زاوية يشبه باراك ورأيت بوش من زاوية يشبه شارون. فابتعدت عن الصور حتى أستطيع عمل توازن موضوعى. قلت لنفسى لتكن صاحب خيال, والا فماذا تملك غير هذا؟! وتستبصر ماذا سيحدث عندما يتولى آل جور أو جورج بوش. ولنبدأ بآل جور اتباعا للحروف الابجدية. عندما يتولى السلطة ويتخلص من معلمه بيل كلينتون, سيكون أول مايفكر فيه هو زيادة المساعدات لاسرائيل. سيسأل مساعديه: هل ينقص اسرائيل شئ من المال؟ سيجيبون بالنفى. الأسلحة؟ أيضا يجيبون بالنفى. مواقف تأييد؟ لا ياسيادة الرئيس. سيجد الرئيس آل جور نفسه فى مأزق. ماذا يستطيع أن يقدم لاحبائه وهل أتى الى البيت الأبيض ليجلس مكتوف اليدين. هناك رسم بيانى فى مكان ما فى البيت الأبيض منذ عهد الرئيس ترومان يبدأ بانشاء دولة اسرائيل عام 1948 ثم يأتى رئيس آخر فيرتفع الخط البيانى, ويأتى آخر فيرتفع الخط. فهل يكون آل جور أقل من اسلافه عطاء لإسرائيل. وهل يكون من سوء الحظ بحيث يكون عهده توقف ارتفاع الخط البيانى. فضيحة والله! ويتصل آل جور من الخط الساخن فى واشنطن بالسيد باراك على الخط الدافئ فى إسرائيل: عزيزى باراك لا أعرف ماذا أقدم لك. لماذا لا تستولى على القدس كاملة. واهدم الأقصى. وإذا أردتم بناء هيكل سليمان مكانه كان بها. أما إذا لم يكن لديكم مشروع محدد فنحن نقترح بناء فندق فخم وصالة قمار عالمية. ولأننى لا أحب القمار قررت الا انحاز لآل جور. وتخيلت جورج بوش وهو يدخل البيت الأبيض بقدمه اليمنى ويتذكر صباه عندما كان فيه مع أبيه الرئيس الأسبق. وقبل أن يجلس سيسرع الى التصفيق. باراك! كيف حالك؟ أنت تعرف أننى لا أكره العرب بل أنا متهم بحبهم. ولكن ليس كل العرب من صنف واحد. بعضهم لا يطاق. خلصنى من العرب الثقلاء. اضربهم بالطائرات والدبابات. وإذا احتجت الى شيء من هذا أو غيره فقط (أشر). اشاراتك أوامر. ولا يهمك الأمم المتحدة. الأمم المتحدة تحت حذائك. وبالمناسبة ياعزيزى باراك هل تقترح علي اسم وزير الخارجية الذى تريد التعامل معه؟ وأفيق من تخيلاتى لأحس بخيبة شديدة. ولا أسوأ من (ستي.. الا سيدى). وأعود باللائمة علي. يبدو أن كفاءاتنا قلت. وأتذكر أن أكثرنا كانوا متحمسين لباراك عندما رشح نفسه ضد نتانياهو, كانت أياما أفضل. كنا آنئذ قادرين على الاختيار بين (ستى) و(سيدى). وأدعو الله اما أن يهدينا الى حسن الاختيار, واما أن ينقذنا من موقف المتفرجين لنشارك فى الأحداث الدولية ولو بحجر!

Email