أبجديات : تكتبها : عائشة ابراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

ابحث جيدا في أوطان الحرية التي يتحرك فيها البشر, دقق كثيرا في مساحات الحق التي يتحركون فيها, تعلم على وجه اليقين أي يوم يملكون, وأي غد ينتظرهم. الحرية هي الزهرة البرية الوحيدة التي بامكانها أن تتكاثر كغابة, وأن تزهر كألف بستان من الزنبق كل يوم. وكلما اشتد قتالك من أجل حرية أكبر, صرت إنسانا أجمل, وصار العبء ثقيلا جدا, فبقدر ما تجعلك الحرية شفافا خفيفا كطيف نور, بقدر ما يحسك الآخرون ثقيلا عليهم كجبل! تكون كما يصفك الكاتب التشيكي (ميلان كونديرا) الكائن الذي لا تحتمل خفته! قليل من جمر الحرية لا يكفي, المشكلة ان الحرية هي الجمرة الكبرى والنعمة الأولى التي لا يسمح لك بامتلاكها كاملة مهما بذلت, لذلك لا تنتـظر أحدا يبذل لك الحرية.. انتزعها ولا تبالي, ستشعر بالأمان والدفء بعد ذلك. من كان له شيء من الحرية, فليقبض عليها بكل طاقته, فهي ذخيرته الوحيدة, وكوخه الآمن, وحقله الأخضر على امتداد العمر, فهل يأبى أحد أن يكون له حقل يثمر في الزمن بلا توقف؟. امتلك نفسك وحريتك دون خوف, فأول الخوف هو ما يجلجل داخلك, لا ما يرتسم على الجدران الخارجية. فتش عن الإنسان الحر, تعرف كم هو نادر, لانه جميل, فقدر الجمال أن يكون نادرا, إذا وجدته ستكتشف حكمة الألق وشهوة الحياة, عندها ضمه إلى عمق قلبك, علّ حريته تفجر برد يقينك الكاذب, لكنك ستعرف أن أفضل اليقين أن تكون أنت, بمعنى أن تكون حرا, وهذا عبء لا يطيقه إلا المتجردون من لعنة الخوف. وأن تكون خائفا يعني اضطرارك الدائم للكذب, حيث يصبح الكذب ساعتها دثارك (الرحيم) الذي تتوهمه, وصحراء نفيك التي تختارها كي تنقذك من الملاحقات والضرائب التي أقنعت نفسك (كذباً) انك لا تقدر على دفعها, ولوجك صحراء الكذب هو خطوتك الأولى للضياع ودخول التيه الذي لا مخرج له حتى عند بوابات المدن المقدسة. إذا اخترت أن تكون حرا, فستظل مصلوبا طويلا على المداخل والحدود, جواز عبورك لن يختم, ووجهك لا تمرره السلطات, وصوتك مشروع ثورة كبرى لا تحتمل, وأن تكون حرا, يعني أن تظل مصلوبا على كل البوابات, وفوق رأسك تشتعل سماوات ومدن, ويتراكض تاريخ وتتفصل جغرافيا! كل هذا العذاب لانك تشهيت محرما أشد خطرا من المخدرات والسياسة والسير بعكس الاتجاه, تشهيت الحرية, فحقت عليك اللعنة, وطردت من جنة الرضى والقبول الرسمية. إنسان بلا حرية, يعني أمة تسير نحو التيه والضلال, وأمة بلا مؤسسات حرة, يعني حياة في الخرافة, وزبدا لا داعي للاكثار منه أو التباهي به, أناس بلا حرية يعني شخوصا بلا ملامح لا داعي أيضا لوضع الميزانيات من أجل تزايدهم أو استنساخهم, ووطن بلا حرية مسكن آخر للخراب والطغاة, لا يستحق خفقة قلب. الحرية خبز ناضج, لكنه لا ينضج إلا على جمرك أنت, وحيث تكون الحرية يكون الوطن, فما ألذ الخبز في وطن حر.

Email