أهداف اسرائيل لم تتغير في ظل التسوية ، بقلم: أمين اسكندر

ت + ت - الحجم الطبيعي

الغاية القومية لاسرائيل لم تتغير منذ انتزاع ارض فلسطين المتمثلة في (اقامة اسرائيل الكبرى اليهودية النقية كقوة اقليمية عظمى مهيمنة في منطقة الشرق الاوسط) وتحقيق ذلك تم عبر الصراع والحرب عن طريق العدوان واحتلال الارض وطرد الفلسطينيين والاستيلاء على الثروات الطبيعية بالقوة, لكن تحقيق الغاية نفسها عبر مراحل التسوية والسلام لن يتأتى الا عن طريق امتلاك قوة الردع التقليدية وغير التقليدية والربط بين مفهوم السلام والامن الاسرائيلي وضم الاراضي من خلال المعاهدات والمواثيق الموقعة عبر المسارات الثنائية والمتعددة في المراحل المتعددة للتسوية وتهويد الارض, وزرع المستوطنات. كل ذلك من اجل تحقيق اسرائيل الآمنة والقوية عسكريا واقتصاديا وايديولوجيا واجتماعيا وتكنولوجيا, ويتم ذلك عبر استراتيجية اسرائيلية من مستويين مستوى اعلى (الخطة الكبرى) ومستوى اقل (مشاكل الامن الجاري) ويتم ترسيم الخطة الكبرى طبقا لمراحل زمنية كل عشر سنوات تحت سقف الغايات الاسرائيلية في تأسيس الدولة الاسرائيلية الكبرى, اما مشاكل الامن الجاري فتتم معالجتها لتأمين الدولة في وضعها الحالي. والمخطط الاستراتيجي لتنفيذ (اسرائيل الكبرى) يؤسس على ثلاث استراتيجيات فرعية ـ حسبما يقول الخبير العسكري المصري لواء اركان حرب متقاعد حسام سويلم في كتابه (اسرائيل ونظرية جديدة للحرب) الصادر عام 1998 ـ هي مخطط بلقنة المنطق الذي يستهدف تقسيم المنطقة الى كنتونات طائفية وعرقية من اجل تأسيس الكومنولث العبري, وما اقتراح نتنياهو عن لا سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني باسرائيل الا انعكاسا لتلك المفاهيم, بل ان الشرق الاوسط الجديد هو بمثابة اشكال جديدة في اطار الغاية والهدف نفسيهما. كما ان هناك مخططا آخر هو (شد الأطراف) وذلك بادخال الدولة العربية الطرفية في نزاعات جانبية مثلما حدث ويحدث بين سوريا وتركيا, والعراق وتركيا وايران والعراق وصراعات الحدود في دول الخليج العربي وصراع الجزائر والمغرب.. إلخ. كما ان هناك مخطط تديره الولايات المتحدة الأمريكية بفرض الحصار على حالات التمرد في الدول العربية مثل العراق وليبيا والسودان, وأخيرا هناك مخطط الاستيطان والعمل على تكثيفه من أجل تكريس الاحتلال الاسرائيلي للضفة والقطاع والقدس الشرقية والتي تعمل في الوقت نفسه على خلق عوائق أمام تواصل جغرافيا الكيان الفلسطيني المزمع انشاؤه. ولا شك ان تضافر تلك المخططات العاملة على تحقيق الغايات الاسرائيلية ـ الصهيونية والمسلحة بالقوة التقليدية والنووية يجعلنا نتساءل هل هناك امكانية للسلام؟ لقد كان ذلك كله يقف خلف اجتهاد الباحثين الاسرائيليين في وضع أسس جديدة للأمن القومي في ظل متغيرات موازين عالم اليوم لتحقيق نفس الغايات المؤسسة لذلك الكيان الصهيوني الاستيطاني وفي كتاب بعنوان (اسرائيل على مشارف القرن الحادي والعشرين) أصدرته مؤسسة (فان لير) لعدد من الخبراء والاختصاصيين الاسرائيليين في علم المستقبليات, يقول (جفرائيل بن دور) أستاذ العلوم السياسية في جامعة حيفا: (ان ما يسمى بالسلام الحقيقي, هو رؤية غير قابلة للتحقيق في اسرائيل, ذلك لأن الخطورة تأتي من اقتناعنا جميعا ـ سياسيون وجنرالات ـ بما يسمى في علم السياسة بـ (النبوءة التي تحقق نفسها) , أو كما قال هرتزل (إذا أردتم فلن تكون هناك خرافة, لا تقولون سيأتي يوم, اعملوا على مجيء ذلك اليوم) , وهنا يكمن الخطر, لأننا بتعريفنا لمقاييس المستقبل بطريقة أو بأخرى, فإننا سنفرضها على أنفسنا, ذلك لأن الزمن لا يفعل فعله بالضرورة, فهو لا يفعل شيئا, بل الناس هم الذين ينجزون الأشياء ومن ثم فإن من يعتقد من قادة اسرائيل ان أهدافها يمكن ان تتحقق من خلال العمل السلمي, فإنه سيسعى إلى ذلك, وأما من يعتقد ان الحرب هي السبيل فسيسعى بدوره لشنها. بعد ذلك ليس غريبا ان نسمع من ديفيد عفري مدير عام وزارة الدفاع الاسرائيلية في عام 1993 بعد كامب ديفيد بما يقرب من ستة عشر عاما, ان اتفاقية السلام بين مصر واسرائيل ليست مرضية, وانها أقرب إلى هدنة منها إلى الصلح بين البلدين, وان خطر تجدد الحرب بين مصر واسرائيل مازال قائما, وإذا ما رغبت اسرائيل في تجنب هذا الخطر, فعليها ان تحتفظ بقوتها العسكرية, أما الصلح الحقيقي فإنه سوف يتحقق حين تنمو لدى الأطراف العربية المعنية المصلحة في استمرار اسرائيل, وفي تصريح سابق للجنرال ورئيس الوزراء الحالي ايهود باراك قال (على اسرائيل ان تكون مستعدة لخوض حرب حاسمة ضد العرب على جميع الجبهات, بما في ذلك تجدد المواجهة العسكرية مع مصر) . وتلك التصريحات تعني بوضوح ان السلام في نظر اسرائيل وقادتها وغاياتها هو الاعتراف بها كدولة وكدور مهيمن في المنطقة وإلا ما معنى قول عفري (تنمو لدى الأطراف المصلحة في استمرار اسرائيل) , وما معنى اعتبار الاتفاقية الموقعة مع مصر مجرد هدنة بل وهناك احتمالات لتجدد المواجهة. ولعل ذلك ما جعل المفكر الاستراتيجي أمين هويدي يذكر في كتابه الحرب والسلام في الفكر الاستراتيجي الاسرائيلي: (استراتيجية اسرائيل ترتكز أساسا على الأمن المطلق, فالآن له الأسبقية الأول في تكوينها الداخلي وعلاقاتها الاقليمية والعالمية) . والأمن المطلق لدولة ما هو في الحقيقة (لا أمن) للدول المجاورة وتأخذ كل الدول في علاقاتها الخارجية عدا اسرائيل بقاعدة (الأمن المتبادل) الذي يحقق الاستقرار المنشود, فالهيمنة هي المعنى الحقيقي للأمن المطلق. وانطلاقا من مفهوم الأمن المطلق صاغ بعض الاستراتيجيين الاسرائيليين مفهوم (الأمن التعاوني) بين اسرائيل والدول العربية, ويؤسس هذا المفهوم على فرض مفهوم الأمن الاسرائيلي على البلدان العربية, والعمل على تشديد العلاقات أمنية ـ عسكرية غير متوازنة تفرض فيها اسرائيل مفهوما للقوة الشاملة على العرب, بل وتعمل على المزيد من الاختلال في ميزان القوى لتعويض اسرائيل عن فقدها لأي أراض فلسطينية وعربية, وعن ذلك يقول مارك هيلر من مركز جافي للدراسات الاستراتيجية: (ان منطق اللاتكافؤ أو اللاتوازن أكثر الحاحا في وضع الشرق الأوسط مما هو عليه في أوروبا, لأن اجراءات الأمن التعاوني تستنفذ في الشرق الأوسط ليس على أساس الوضع الاقليمي القائم كما كان الحال في أوروبا, بل على أساس تقليص ما للسيطرة الاسرائيلية على مقدرات جغرافية ـ عسكرية في الضفة الغربية والجولان. وبتعبير آخر يترتب على الربط بين السياسة والأمن مخاطر أمنية غير متوازنة لاسرائيل, ولذا فإن على هذه المخاطر ان تنعكس في اجراءات ضبط تسلح غير متوازنة) . أخيرا نستطيع ان نرصد سلوك الدولة الاسرائيلية تجاه مشاريع التسوية حتى نتيقن من التناقض القائم بين السلوك ومفهوم السلام. ومن المعروف ان المواقف العملية للدول تتصف بالتغير والديناميكية مما يجعلها مفارقة بنسبة ليست ضئيلة للأيديولوجيا والمبادئ العامة, و لكن في حالة اسرائيل يبدو انسجاما شبه تام بين النظرية المتمثلة في الايديولوجيا الصهيونية والسلوك التطبيقي للدولة الاسرائيلية, ومن هنا كان الموقف الاسرائيلي العملي من مشروعات التسوية السلمية ـ من بعد 1948 ـ اعلان دولة اسرائيل ـ حتى الدخول في مسارات التسوية, بعد مدريد, الجماعية والثنائية, منسجما مع طبيعة ذلك الكيان الاستعماري الاستيطاني العنصري والصهيوني, فهو متمسك دائما بمجموعة من العناصر ـ المبادئ بالنسبة له ـ تشكل مفهومه لبدء التسوية والدخول فيها, ويأتي على رأسها: 1ـ لا عودة لحدود ما قبل 5 يونيو 1967. 2ـ لا عودة للاجئين الفلسطينيين. 3ـ العاصمة عاصمة موحدة لاسرائيل. 4ـ اعتبار نهر الأردن هو الحد الأمني لاسرائيل وعدم السماح لأي قوات عربية ان تعبره أو تتواجد بعده. 5ـ الحفاظ على معظم المستوطنات ـ مستوطنات الأمن ـ في الضفة الغربية والقطاع, وذلك بغرض تمزيق الكيان الفلسطيني وتفتيته (خطة بقع جلد النمر) وفي الوقت نفسه اعطاء مدد وعمق للأمن الاسرائيلي. 6ـ لا مفاوضات مع اي طرف عربي المفاوضات المباشرة. 7ـ الربط بين معاهدات ومواثيق واتفاقيات التسوية المعقودة بشكل ثنائي أو جماعي وقضية التطبيع الذي يحقق الحياة الطبيعية اسرائيل, بل والتميز في العلاقات واعمال استراتيجيات الهيمنة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية عبر شبكة من المشروعات التعاونية الاقليمية المحققة لمركزية الدور الاسرائيلي في المنطقة. 8ـ استبعاد دور الأمم المتحدة من المفاوضات, و لعل ذلك ما حدث بعد مؤتمر مدريد مباشرة وتسكين الدور الأمريكي في اطار الناصح بعد ان رأت حكومة اسرائيل (باراك) ان دورها المحرك في الفترة السابقة من بعد مدريد أصبح غير مطلوب ـ رغم ان الدور الأمريكي هو نفسه تقريبا الدور الاسرائيلي ـ ذلك هو السلوك وتلك هي المواقف, فعن أي سلام نتحدث؟

Email