راي البيان ، العنب أم قتل الناطور

ت + ت - الحجم الطبيعي

رغم ان دول (اوبك) اتفقت جميعا على زيادة الانتاج بغرض تخفيض الاسعار في محاولة لتحقيق معادلة مقبولة بين احتياجات الدول المنتجة ومتطلبات الدول المستهلكة, الا ان الولايات المتحدة تصر على مواصلة الضغط حتى كادت تتسبب في نسف منظمة الدول المنتجة للنفط. فخلال العام الماضي وصلت حالة اسعار النفط الخام الى درجة مأساوية حتى انخفض دون العشر دولارات, وبدت الاسعار احيانا اقل من نفقات التكلفة الحقيقية ومن اسعار الماء, بينما كانت الدول المستهلكة تصر على تحقيق ارباح باهظة من مبيعات المنتجات النفطية ومن الضرائب التي ترفد موازناتها الغنية والمتخمة بالفوائض المالية. وفي فترة من العام الماضي عانت دول منتجة من مصاعب كبيرة في تأمين موازناتها واحتياجاتها الاساسية, ثم امتد الضرر الى تعطيل الاستثمارات الجديدة في القطاع النفطي, وتحقيق انعكاسات سلبية حتى على الدول الغنية المستهلكة, وعند هذا الحد فقط عاد الحديث (الذي كادت تنساه الدول المنتجة منذ سنوات طويلة) الى ضرورة تخفيض الانتاج وزيادة الاسعار تلبية لاحتياجات ومصالح كل الاطراف المعنية بالطاقة النفطية. وما ان ارتفعت اسعار النفط الى مستوى هو دون سعرها الحقيقي والاقتصادي قياسا لمصالح المنتجين, وهو اقل بكثير من قيمة سلعة استراتيجية ناضبة وتمثل شريان الحضارة الحديثة, حتى بدأت الاحتجاجات الخجولة من بعض المستهلكين, مع ان العديد من الدارسين العالميين المهتمين بالثروة النفطية اكدوا ان سعر 30 دولارا الذي سجلته اسعار النفط لا يعتبر مضرا على الاطلاق بالنسبة لاقتصاديات الدول المستهلكة, وهو يساعد على تنشيط اقتصاديات المنتجين ورفد السوق العالمية والاستثمارات النفطية بموارد ايجابية مفيدة للسوق العالمية من جهة ولحماية الثروة النفطية الناضبة من جهة اخرى. مع ذلك فقد كان غريبا ان الولايات المتحدة الدولة التي مازالت تنتج كميات معتبرة من النفط الخام, وتحتفظ بمخزون هائل من الواردات النفطية بأسعار رخيصة, وتحصد معظم اموال (البترودولار) بأساليب شتى, كانت اكثر من عبر عن غضبه من ارتفاع الاسعار, ولجأت الى ممارسة كل انواع الضغوط السياسية والاقتصادية والامنية لتخفيض الاسعار. لقد كانت هناك تفسيرات شتى للموقف الامريكي, فهناك من رأى ان واشنطن تريد ان تبرز امام كل القوى العالمية والمستهلكة باعتبارها المتحكم الحقيقي بالانتاج والاسعار لتكسب بذلك المزيد من القوة والهيمنة العالمية, وهناك من رأى ان لا مصلحة امريكية حقيقية وانما تخضع واشنطن في موقفها هذا لضغوط قوى اللوبي اليهودي شديدة التأثير بإدارة كلينتون, حيث تحارب الصهيونية اي خير يعود على منتجين معظمهم من العرب والمسلمين, وهناك من رأى في الامر تجسيدا لمنطق الاستغلال التقليدي الذي تتعامل به الدول المتقدمة مع الدول النامية. وايا كان التفسير فقد بدا ان هناك اتجاها عاما في (أوبك) للحلول الوسط, الا ان الضغوط الامريكية تجاوزت كل لباقة ودبلوماسية وكادت بالفعل تنسف المنظمة مما يجعل مكانا لسؤال واشنطن: هل تريد العنب ام قتل الناطور الذي هو (الأوبك) ؟! وهل ستظل تعمل لتحقيق هذا الهدف حتى مع انخفاض الاسعار؟

Email