كلينتون وباكستان

ت + ت - الحجم الطبيعي

بقلم أحمد عمرابي يروى ان عضو كونجرس امريكي كان في زيارة رسمية لباكستان اوائل ثمانينيات القرن الماضي تحدث الى الرئيس الراحل ضياء الحق عن فضائل منع الانتشار النووي على السلام العالمي, مقترحا على الزعيم الباكستاني تصفية برنامج بلاده النووي. سكت الرئيس لحظة ثم سأل البرلماني الامريكي: وماذا عن البرنامج النووي الاسرائيلي؟ الرئيس الاسبق ذو الفقار علي بوتو هو في الحقيقة الذي ابتدر انشاء البرنامج النووي الباكستاني. وكان بذلك يترجم شعورا شعبيا بعد ان اعلنت الهند على العالم في منتصف السبعينيات اجراء أول تجربة نووية. ومع تعاقب الرؤساء الامريكيين ـ نكسون وفورد وكارتر وريجان وبوش وحتى الرئيس الحالي بيل كلينتون ـ ظلت الولايات المتحدة تعارض على طول الخط البرنامج النووي الباكستاني مع عدم ابداء اي اعتراض على البرنامج الهندي.. بل احيانا تصدر مؤشرات امريكية يمكن ان يستشف منها ان واشنطن راضية عن تحول الهند الى قوة نووية. وفي الاسبوع الثالث من الشهر الجاري سيكون البرنامج النووي الباكستاني على رأس اجندة الرئيس كلينتون عندما يقوم بجولة رسمية تشمل الهند وباكستان وبنجلاديش. وكما هو متوقع فان الرئيس الامريكي سوف يضغط على الحكومة الباكستانية لتمتنع عن التوسع في الاسلحة النووية (بعد ان اصبح برنامجها النووي حقيقة واقعة) دون ان يمارس ضغطا مماثلا على الهند. فلماذا هذا التحيز الامريكي الفاضح؟ بكلمة واحدة, تعتمد الولايات المتحدة في هذا السياق اعتبارين: اولاً: حماية الامن الاسرائيلي.. وثانياً: الحيلولة دون قيام دولة اسلامية مستقلة في اقليم كشمير المتنازع عليه بين الهند وباكستان. فيما يتعلق بالاعتبار الاول فان لواشنطن خطا استراتيجيا ثابتا يقضي بعدم السماح لأية دولة اسلامية بالتحول الى قوة نووية حتى تبقى اسرائيل منفردة بالتفوق النووي في منطقة الشرق الاوسط والمنطقة الاسلامية عموما. وعلى هذا الاساس فان البرنامج الباكستاني يتعارض مع هذا المبدأ الاستراتيجي بينما يمكن ان تكون الهند النووية اضافة ايجابية الى القوة النووية الاسرائيلية. وانطلاقا من اعتبارات الامن الاسرائيلي ايضا, فان آخر ما تتمنى الولايات المتحدة رؤيته في منطقة جنوب غرب آسيا هو انتصار الثورة الاسلامية المسلحة في كشمير مما قد يمهد لقيام دولة اصولية هناك لتصطف الى جانب باكستان وبنجلاديش وافغانستان. وبما ان باكستان تمثل قاعدة لحركات الجهاد الكشميرية فانها يجب ان تظل من المنظور الامريكي الطرف الاضعف دائما بالمقارنة مع الهند. ان الرئيس كلينتون يحاول الآن اعطاء انطباع للعالم بأن الموقف المتحفظ الذي تتخذه ادارته إزاء حكومة الجنرال مشرف في باكستان مرده الى ان الجنرال اقام نظاما انقلابيا بعد ان اطاح بنظام ديمقراطي. غير ان هذه الذريعة باطلة وخادعة. فالموقف العدائي الامريكي تجاه البرنامج النووي الباكستاني, وتجاه النضال الكشميري ظل على حاله ثابتا طوال فترة النظام الديمقراطي على عهد بنازير بوتو زعيمة (حزب الشعب الباكستاني) وعهد نواز شريف زعيم حزب (الرابطة الاسلامية الباكستانية) . طوال هذين العهدين الديمقراطيين ظلت اسلام اباد تستقبل من حين لآخر مسئولين امريكيين كبار يطالبون الحكومة اولا بتصفية البرنامج النووي, او على الاقل تجميده, وثانيا بكبح جماح (الارهاب) ... كناية عن الكفاح المسلح في كشمير.. ذلك ان واشنطن تعتبر هذا الكفاح ارهاباً. ولا ندري ماذا يتوقع الرئيس الامريكي من حكومة الجنرال مشرف, لعله لا يتوقع الكثير.. فزيارة باكستان ضمن الجولة الآسيوية وضعت على برنامج كلينتون بعد تردد.. ثم انها لن تستغرق سوى بضع ساعات. ويبدو ان الولايات المتحدة في كل الاحوال لا تريد ان تصدق انه ليس بوسع اي زعيم باكستاني حاكم, عسكري او مدني, ان يلغي البرنامج النووي او ينقلب على حركة النضال الكشميري دون ان يركب مخاطرة بحسابات الحياة أو الموت.

Email