اليسار الفرنسي والعرب قصة ذات فصول عجيبة

ت + ت - الحجم الطبيعي

بقلم د. احمد القديدي لليسار الفرنسي قصة غريبة مع العرب, فهو يسار مزدوج الشخصية نحبه ونكرمه في نفس الوقت, نحبه كلما وقف مع العربي المهاجر في فرنسا فسهلت حكومات اليسار حياتنا اليومية واعطتنا وثائق اقامة وقاومت العنصرية اليمينية المتطرفة, لكننا نكره هذا اليسار نفسه اذا اغمض عيونه عن قضية شعب فلسطين وانحاز للتطرف الصهيوني على حساب الحق وعلى حساب الشرعية الدولية. حكايتنا نحن العرب الذين نعيش ونقيم في فرنسا حكاية عجيبة, فنحن بازاء يسار انساني يعطي حقوق العامل المغاربي المسكين ويناصر العامل المطرود من عمله بسبب لون جلده وتجعيد شعره كما نحن بازاء يسار ذي اصول (بروتستنتية) لايفكر حين يتعلق الامر بمظلمة القرن العشرين, اي احلال شعب يهودي مكان شعب فلسطيني امام صمت العالم وخرسه وطرشه وباعانته, هذا هو اليسار في فرنسا, ازدواجية لدرجة المرض النفسي وتناقض بين المبادىء في الداخل والمبادىء في الخارج. ولعل سوء التفاهم المزمن بين اليسار الفرنسي والقضايا العربية تحول الى حوار طرشان.. ومنذ العدوان الثلاثي على مصر الذي هندسه وزير الخارجية الفرنسي كرستيان بينو بمساعدة ايدن البريطاني وبن جوريون الاسرائيلي, ونحن نتعجب من حالة اليسار الفرنسي, فالحكومة اليسارية الفرنسية برئاسة جي مولي هي التي ضربت السويس في آخر اكتوبر 1956 في مؤامرة خطط لها الرجال الثلاثة المذكورون اعلاه في منزل بقرية سيفر الفرنسية وقد اتيح لي ان اتحادث طويلا مع كرستيان بينو في اواسط الثمانينيات وكان شيخا متقاعدا لكن ذاكرته كانت قوية وحاضرة, فقص علي كل اسرار العدوان الثلاثي على مصر وخلاصة كلامه ان فرنسا ارادت معاقبة مصر وعبدالناصر على التأييد الذي يقدمانه لجيش التحرير الجزائري. وحرب الجزائر الاستعمارية كذلك من عام 1954 الى عام 1962 كانت من صنع اليسار الفرنسي. تعلم اليساريون ان العرب هم (الفلاقة) اي المتمردون ولم يستطيعوا النفاذ الى حقيقة ساطعة كبرى هي ان الشعوب اندرجت في تيار التحرر والاستقلال ولا عودة عن الكفاح. ظل اليسار متخبطا حتى ان فرنسوا ميتران حين كان وزيرا للداخلية عام 1956 كان يؤكد بأن الجزائر مقاطعة فرنسية وستبقى الى الابد كذلك, وفي عام 1958 جاء الجنرال شارل ديجول الى سدة الحكم بخط يميني معتدل فهو يكره الشيوعية ولا يحترم الاشتراكية وأراد انقاذ فرنسا من لوثة حرب الجزائر وبدأ يتفاوض مع الثوار في الجزائر كما غادر ميناء بنزرت التونسي وأكمل للمملكة المغربية استقلالها تحت ضغط ثورات وتحولات عالمية كبرى. وظل الاشتراكيون بعيدين عن السلطة الى عام 1981 حيث انتصر فرنسوا ميتران في الانتخابات الرئاسية واستلم ملف ما يسمى بالسياسة العربية لفرنسا فحوله الى سياسة عربية فرنسية لا رأس لها ولا ذنب ـ نوع من انواع البهلوانية العسيرة, كلمة تطمئن العرب وحركة تساند اسرائيل واحاط ميتران نفسه باصدقاء يهود ابرزهم الحائز على جائزة نوبل للسلام ايلي فيزل كما ابتعد عن الملف العربي وتعامل معه بدون رؤية مستقبلية.. ثم كتب لليميني الديجولي ان يعود مع الرئيس جاك شيراك ورأينا ذلك الرجل يصرخ علنا في وجوه حراسه الاسرائيليين في شوارع القدس الشريف ويسجل موقفا رائعا الى جانب الحق, بوأ فرنسا منزلة القوة الانسانية المتفهمة للحق العربي والمؤهلة للعب دور اساسي في التقدم بعملية السلام.. على الاقل لترجيح الكفة بازاء الانحياز الامريكي المهدد للسلام والدائس على الحق الفلسطيني والعربي, لكن دستور فرنسا يبيح التعايش بين رئيس يميني وحكومة يسارية او العكس, فعاد ليونيل جوسبان ودخل حلبة التنافس من اجل الرئاسة معتقدا انه سيجلب دعم الاعلام والمال ومما في فرنسا وبنسبة كبيرة في ايدي لوبيات يهودية, وارتكب جوسبان هفوة عمره السياسي من منطق القانون الدولي لكنه حسب لها من منطق الربح السريع والمردود الانتخابي, فصل آخر من فصول اليسار وقصته مع العرب فصل هزلي في مسرحية مأساوية متواصلة!

Email