الاختناق الفلسطيني، سياستان برامج فضفاضة وبديل واقعي ، بقلم: نايف حواتمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

العديد من القوى في خارطة المعارضة الفلسطينية غير معني بالمفاوضات الدائرة بأي صيغة كانت, وغير معني بالمفاوضات الشاملة, فهذه القوى أسيرة أزمتها التكوينية في الايديولوجيا تحت سقف شعارات عامة فلسطين وقف قومي وفلسطين وقف اسلامي دون استدعاء قوى الوقف هذا دولا وشعوبا وأحزابا إلى الميدان وباتجاه فلسطين , وفي السياسة تحت عباءة الشعارات دون برامج ملموسة وفي الانحناء تحت راية المحاور الاقليمية, وليس لديها الجاهزية لأن تكون حالة فاعلة. فبين قوى في المعارضة الفلسطينية من يقول ان فلسطين (وقف قومي) ومن يقول (وقف اسلامي) نتركها للأجيال القادمة, وعليه فهذه القوى ضد أي مشاريع تسوية مهما كانت وهذا موقف يجري استنساخه منذ عام 1973 وحتى يومنا هذا مع تناسل شعاراته دون رابط بين الأقوال والأفعال, والجواب كان منذ العام المذكور حتى اليوم, بأنه لن تبقى أرض فلسطينية للأجيال القادمة حينذاك, فالمشروع التوسعي الاسرائيلي الصهيوني لا يتوقف, ولن توقفه شعارات بدون برامج ملموسة, والأمثلة صارخة أمامنا: اقليم عربستان, ولواء الاسكندرون من البلاد العربية, فالأول تم تفريسه (خوزستان) والثاني تتريكه (هاتاي), فمن يتناول هذه المصائر الحزينة والتعيسة في عالم العرب دولا وأحزابا في أيامنا, ويوجد أمثلة أخرى. عليه نؤكد (نعم وقف قومي وآخر اسلامي) وعليه على هؤلاء استدعاء الخارطة القومية والاسلامية دولا وأحزابا للشارع وباتجاه فلسطين وإليها, بينما الواقع يشي بالبعد عن هذا والوقوف عند سور الشعار, بينما الاستيطان الاحلالي الاجلائي التوسعي لا يتوقف ويشي بمصير لفلسطين يشابه مصير لواء اسكندرون واقليم عربستان وهذا ما نرفضه لمصائر فلسطين وطنا وشعبا. وهناك فريق آخر كما أعلن ويعلن عدد من الاخوة في حماس بالأردن, بأنه ضد فك الارتباط الاداري والقانوني بين الضفتين الشرقية والغربية لنهر الأردن, وانه مع ضرورة التراجع عن فك الارتباط الذي أقدم عليه الملك حسين في يوليو 1988, وهذا يعني بلغة واضحة العودة إلى اعتبار الأردن مسئولا عن الضفة الفلسطينية والقدس عملا بما كان قائما قبل الاحتلال رغم تجربة الأردن من عام 1967 إلى عام 1988 لاستعادة الضفة والقدس وانتهائها إلى طريق مسدود, وتجربته أيضا بالقفز عن قرارات قمة الرباط 1974 حتى 1988 بأمل استعادة الارض بالمفاوضات متعددة الاشكال, العلنية والسرية والتي انتهت ايضا الى طريق مسدود في قرار فك الارتباط في يوليو 1988. وعليه اقول انه في الحالة الفلسطينية يوجد مشروع لفظي لاصحاب الشعارات العامة يكرر نفسه منذ عقود ومشروعان سياسيان ملموسان, مشروع يقدمه اهل اوسلو الذين يمثلون اليمين ويمين الوسط في منظمة التحرير بالمدلولات والتوصيفات السياسية, وله قاعدته الاجتماعية وشبكة علاقاته العربية والدولية, وهو يحاول الآن بعد تجربة سياسة الخطوة خطوة التملص من الاستمرار بها دون اعلان ذلك (ويرغب) في الانتقال الى المفاوضات الشاملة على اساس قرارات الشرعية الدولية والمشروع الذي تقدمه الجبهة الديمقراطية وشخصيات وازنة مستقلة, وله ايضا قوى اجتماعية تتناغم معه, وهو يطالب بالفصل بين الفترة الانتقالية ومرحلة التفاوض على الحل الدائم والذهاب للمرحلة الجديدة بوحدة الشعب وائتلاف منظمة التحرير على اساس قرارات الشرعية الدولية. ان البرنامج الوطني الاكثر واقعية هو البرنامج الممكن لاستعادة العافية الى الجسد الفلسطيني من خلال اعادة احياء وتوحيد منظمة التحرير الفلسطينية بحوار وطني شامل لفحص امكانية التوافق على برنامج قواسم مشتركة, وعلى اعادة بناء الائتلاف الوطني العريض لمنظمة التحرير ممسكة امام الشعب ببرنامج القواسم المشتركة بيد وباليد الاخرى ببرنامجها الخاص, وتجربة الحركة الوطنية الفلسطينية الائتلافية في هذا الميدان غنية جدا, فنحن مثلا في الجبهة الديمقراطية كنا اعضاء في هذا المبنى الائتلافي على اساس القواسم المشتركة وبذات الوقت معارضة في الشارع وامام الجماهير والعرب والعالم من مواقع صيانة برنامج القواسم المشتركة والدفاع عنه لانه برنامج الوحدة الوطنية العريضة ووحدة الشعب بكل طبقاته وتياراته وقواه الحية في المرحلة الراهنة, كما كانت فتح ممثلة في هذا الائتلاف, على اساس برنامج القواسم المشتركة وبرنامجها الوطني والاقليمي السياسي الخاص بها, مع ملاحظة ان حركة فتح كانت الاوسع في مساحة القرار لانها لا تعتمد فقط على قواها الذاتية بل تعتمد ايضا على خارطة عربية حاكمة. والجبهة الديمقراطية قوة رئيسية من قوى وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية منذ عام 1969 وحتى هذه اللحظة وبناء عليه فإننا موجودون في كل هيئات المنظمة خاصة المجلسين الوطني والمركزي واللجنة التنفيذية, وجاءت مشاركتنا في اعمال دورة المجلس في 2/2/2000 في هذا السياق علما بأن دورة الاجتماع هذه تأخرت عن موعدها المقرر فترة طويلة لاسباب تتعلق بمحاولات الاتجاه المتنفذ والمسيطر على القرار بمنظمة التحرير تجيير اعمال مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية لصالح سياساته وخدمة لنهجه التفاوضي مع الطرف الاسرائيلي. لقد كررنا دعوتنا منذ ان عقدت الدورة الماضية لاعمال المجلس في يونيو 1999 لعقد الاجتماع التالي للمجلس والخروج بنتائج واضحة يتم من خلالها البت بالقضايا التي تم تعليقها, خاصة اعلان سيادة الدولة الفلسطينية على اراضيها المحتلة عام 1967 حتى خط 4 يونيو فضلا عن اعادة النظر بالوضع الفلسطيني الداخلي ومسائل الوحدة الوطنية وهيئات منظمة التحرير. ان اعلان السيادة للدولة الفلسطينية على كامل الاراضي المحتلة عام 1967 مسألة ممكنة, وتحديدا مع انتهاء مفعول المرحلة الانتقالية في 4/5/1999 وفق تواقيع اصحابها. فاستحقاق اعلان السيادة الفلسطينية ممكن عندما يتم اعداد الاوضاع الفلسطينية من جانب توحيد عناصر القوة الفلسطينية على اساس البرنامج السياسي الائتلافي المشترك, والعودة الى قيادة تفاوضية جديدة تحت برنامج منظمة التحرير وبمرجعيتها المسئولة, عند ذاك نستطيع ان نحقق نقلة جديدة في الوضع الفلسطيني ونفتح قوس الاشتباك الواسع السياسي والدبلوماسي والاعلامي وربما الانتفاضي مع الاحتلال لفرض استحقاق الدولة الفلسطينية وبسط سيادتها على كامل الاراضي المحتلة عام 1967 وبالقدس عاصمة لها, وفي هذا نجد بأن جميع دول العالم تقف مع المطلب الفلسطيني باستثناء الدولة العبرية والادارة الامريكية. اخيرا, في ختام اعمال دورة اللجنة المركزية (25ـ 29 يناير 2000) للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في الوطن والشتات كنا قد دعونا الى التعاطي الجاد مع الاجتماع الاستكمالي للمجلس المركزي الفلسطيني يوم 2 فبراير وعدم الاكتفاء بلقاء شكلي لعملية استمرار التفرد والانفراد بالقرار في الهيئات الفلسطينية الرسمية, وخاصة فيما يتعلق بقضايا التفاوض ومصير الاراضي الفلسطينية المحتلة ومجمل قضية الشعب الفلسطيني. والى اعتماد مرجعية جماعية وطنية منبثقة عن هيئات منظمة التحرير وقادرة على الاشراف الفعلي على العملية التفاوضية وكافة القضايا التي تمس مصير ومستقبل الشعب الفلسطيني, واكد ان الممارسة العملية من قبل الاتجاه الممسك بالقرار لم تعكس توجها فعليا حتى الآن لاشراك التيارات الرئيسية في صفوف الشعب في القرارات المصيرية والاشراف على العملية التفاوضية من كل جوانبها. وبالضرورة يجب مواجهة الضغوط الامريكية والاسرائيلية الهادفة الى استدراج تنازلات اضافية من الجانب الفلسطيني عبر ما يسمى (اتفاق الاطار) من نمط التخلي عن التمسك بقرارات الامم المتحدة ومطلب جلاء الاحتلال من كافة الارض المحتلة عام 1967, بما في ذلك القدس العربية والمناطق التي اقيمت عليها المستوطنات الاسرائيلية بصورة مخالفة للقانون الدولي ولاتفاقية جنيف الرابعة, وكذلك التخلي عن قضية اللاجئين الفلسطينيين وقبول توطينهم حيث هم حاليا. ان مواجهة كهذه تتطلب اعادة بناء عناصر القوة الفلسطينية وفي المقدمة اعادة بناء الوحدة الوطنية من خلال اعادة الاعتبار لهيئات منظمة التحرير الائتلافية واعتماد صيغة انتخاب اعضاء المجلس الوطني في فلسطين وحيثما امكن ذلك في اقطار اللجوء والشتات, بما يكسب هذه الهيئات مشروعية اضافية وقوة مستمدة من ثقة الشعب ومشاركته في القرار ومصادقته على اختيار ممثليه.

Email