أبجديات، بقلم عائشة ابراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

في مرحلة آتية من عمر امتنا, ربما بعد عشر سنين او بعد قرن من الزمان, وعندما سيحاكم التاريخ حياتنا لن يقول الناس ساعتها, ولن يقول التاريخ لماذا سكت السياسيون او الاقتصاديون او رجل الشارع الفقير, وانما سيقولون: لماذا سكت الشعراء؟ ولماذا سكت المثقفون ؟ واذكر اننا عندما كنا طلابا نتشاكس على مقاعد الدراسة كانت معلمة اللغة العربية في درس (النقد والادب) تقول لنا دائما بان فنون الشعر واغراضه عند العرب كثيرة منها: الوصف والغزل والهجاء والرثاء والحماسة والفخر, وبعد ذلك صنف الشعر الى عاطفي وجداني وسياسي واجتماعي وصوفى وديني, وكم لعب الشعر في حياة العرب, وكم لعبت القصيدة في اذكاء مشاعر الجماهير, وكم فجرت من ثورات وانتفاضات ومواجهات.. وكان التاريخ العربي عندما يقف ليلتقط انفاسه بين ثورة ومواجهة وانتصار يعترف بصوت عال بانه في البدء كانت الكلمة, فلماذا حولنا الشعر الى محظية جميلة نتغزل بها؟ وصادرنا أرضا خصبة هي ملكنا, لماذا جعلنا فنون الشعر فنا واحدا لاغير؟ مع اننا احوج ما نكون اليوم قبل أي يوم مضى الى كل الفنون, الى الوصف والهجاء والحماسة والفخر, والى الشعر السياسي والاجتماعي والديني, والى الشاعر الجسور الذي يصرخ في براري الشجن والتدهور, والفراغ وغابات الاسمنت التي يسكنها الرخاء المؤسس على الوهم وفقاعات المدنية, نحن بالفعل نحتاج الى شاعر الدولة وليس الى شاعر القبيلة التي لا تعترف بسلطة القانون ولوائح النظام, نحتاج شاعرنا الجميل الذي يشم رائحة الافق والمطر, والفرسان الغزاة قبل ان يطلعوا من وراء الافق. لماذا صار الشعر وصفا دقيقا لمحاسن غيداء او حسناء برزت لأحدهم صدفة في بعض الاروقة او الشوارع وكفى؟! لماذا صار الشعر غزلا وحبا فقط ولا شيء آخر؟ لا أسأل لاعتراضي على الغزل أو الحب, فهذا رشة العطر الندية على جفاف الحياة والقلوب وصحارى القسوة, لكنني اسأل لاصل مع شعرائنا الى قناعة اخرى هي ان الشعر بفنونه واغراضه الاخرى اذا استخدم وفعّل وكرس جيدا يمكنه ان يبيد كل القسوة والبشاعة والتخلف, فيحيل عالمنا جنانا, ونظاما وحقوقا, اذا ما قال الشاعر كل ما في جعبته, واشهر كل اسلحته, واطلق كلمته في القلوب العطشى والعقول الغافلة. وما أكثر الشعراء حين تعدهم, لكنهم في النائبات قليل! ما أكثرهم في الأمسيات والليالي الملاح والندوات والكرنفالات وعلى صفحات الجرائد والمجلات, لكن همومنا وازماتنا وهزائمنا الداخلية والخارجية, وتحدياتنا ومصائبنا التي تتوالى كحجارة من سجيل, لا تستهوي قوافيهم ولا موازينهم الدقيقة فيذهبون بعيدا حيث: أداري العيون الفاترات السواجيا واشكو إليها من كيد انسانها ليا قتلن ومنين القتيل بألسن من السحر يبدلن المنايا أمانيا وهكذا يتحول كل الشعراء إلى شهداء العيون والخصور والقدود, ثم نلوم الفضائيات والاعلام والعولمة والـ... مع ان أهم مجال (اعلامي) لدينا سادر في خيالاته وتهويماته.. وليته واحد أو عشرة.. بل كلهم وهذا من أعاجيب الزمن مع انهم يعلمون كما قال شوقي: (انتم الناس أيها الشعراء) .

Email