إلى أين تتجه بنا التجارة الإلكترونية؟ بقلم د. محمد علي الكمالي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لاشك أن دولة الإمارات العربية المتحدة تسعى لتحويل الدولة كمركز تكنولوجي ومنفذ للتجارة الإلكترونية, وذلك من خلال مشروع التجارة الإلكترونية الذي جاء تجسيدا لرؤية الحكومة لترسيخ ريادة دولة الإمارات العربية المتحدة على مستوى الشرق الأوسط , وتحقيق السبق في مجال عصر التجارة الإلكترونية والوصول بالتميز في الدولة إلى أقصى حد ممكن والحفاظ على التميز في عالم التكنولوجيا خاصة مع اقتراب الألفية الثالثة, والتي ستلعب التجارة الإلكترونية فيها دورا بارزا خلال التعاملات الاقتصادية والسياحية والتجارية والاستثمارية والمالية حيث بدأت التجارة الإلكترونية اليوم في الاستحواذ على نصيب الأسد من حجم التجارة العالمية ومن هنا تبرز أهمية المشروع. هدفت الحكومة من وراء ذلك بناء اقتصاد قوي ومتين من خلال استخدام التطورات التكنولوجية التي أصبحت مفتاح تطوير المال والأعمال في القرن المقبل, وتعد التجارة الإلكترونية نمطا جديدا كليا في عالم المال والأعمال, انها أسلوب تجاري أسرع واكثر فاعلية تساعد في الدخول إلى أسواق عالمية جديدة وتساهم في تعزيز التواجد في الأسواق العالمية. موضوع التجارة الإلكترونية يعد من أهم المواضيع المطروحة على الساحة التجارية في العالم, والتي تلقى اهتماما واسعا من قبل المسئولين في جميع أنحاء العالم, أيضا فرض التطور التكنولوجي العالمي على المؤسسات العالمية التطور في أداء وتحسين الخدمة نظرا للمنافسة الشديدة واستخدام المؤسسات العالمية آخر المستجدات التكنولوجية في تقديم الخدمة لزبائنها, أما بالنسبة للتجارة الإلكترونية في المنطقة فانها تعد خطوة إيجابية وسوف تساهم بشكل فعال في رفع مستوى الخدمة وزيادة التجارة في المنطقة. ومنطقة الخليج من الدول السباقة دائما لتطوير التجارة حسب المعايير الدولية والمواكبة لركب التطور العالمي, واستخدام التجارة الإلكترونية في المنطقة سوف يساهم بشكل كبير في التحول من النظام التقليدي إلى نظام حديث في مجال التجارة, ولقد شرعت مختلف المؤسسات والهيئات باستغلال فوائد أنظمة التجارة الإلكترونية بعد أن غزت الأخيرة كل المواقع والقطاعات بدءا من القطاعات الحكومية مرورا بالقطاعات الاستثمارية المختلفة وانتهاء بالقطاع التعليمي, وقد ساهم هذا الأسلوب الحديث في التجارة في إرساء أساليب ومعايير تجارية عالمية جديدة, وإذا كان هذا هو المشروع الذي تستقبل به دولة الإمارات العربية المتحدة القرن المقبل, والذي يؤدي إلى دعم موقع دولة الإمارات العربية المتحدة في المنطقة وتفعيل كافة القطاعات التجارية الاقتصادية والسياحية والحكومية عبر توفير أدوات تسويقية فعالة لتطوير نشاطها وزيادة كفاءتها الأمر الذي يؤهلها للانتقال من المنافسة الإقليمية إلى العالمية, هناك بعض الملاحظات وهي مهمة جدا للاستمرار والدفع بهذا المشروع الحيوي إلى الأمام. الشفافية والتأهيل منذ اليوم الأول من مشروع دبي للتجارة الإلكترونية ونسمع عن الكثير من الإنجازات ولكن التأخير ليس في صالح المشروع أولا, أما ثانيا فأقترح الا تكون شركات تقنية المعلومات ضمن اللجنة التي تختار تقنية المشروع لان الشركات ليس لديها رؤية تجارية بل لديها رؤية تقنية فقط. التجارة الإلكترونية ليست تقنية معلومات أو أجهزة أو برمجيات بل أسلوب تجاري جديد تستخدم التقنية من خلاله, مما يؤدي الى نقص في الناحية التنظيمية التجارية بل مطلوب من الجهات المعنية لهذا المشروع الاستعانة بشركات استشارية في مجالات مختلفة مثل: تقنية المعلومات, التجارة, المالية, الإدارية, وحتى في القيام بتجهيز فريق العمل من الكوادر الوطنية وأيضا قيام الشركات بنشاطها بشكل مفتوح بمعنى أن يكون هناك نوع من الشفافية وعدم وضع الكلمة التي نسمع عنها دائما (سر العمل أسرار العمل) حيث لا توجد أسرار في الأعمال التجارية الخاصة بالانترنت, والوصول إلى جميع الجهات التجارية سوف يساهم بشكل فعال في الحصول على أكبر قدر من المعلومات وسوف يسهل عمل اللجنة. أسباب أخرى هي عدم اهتمام الجهات المعنية بالتجارة الإلكترونية وهي التي يجب أن تشارك بشكل فعال مثل الغرف التجارية حيث يمكنهم عقد الندوات واللقاءات لأعضاء الغرفة وشرح الفوائد المترتبة على اتباع هذا الأسلوب والابتعاد نوعا ما من الحركة التجارية التقليدية حتى تتمكن هذه المؤسسات من المنافسة ليس في الأسواق المحلية فقط بل في الأسواق العالمية وان تشجع على الانضمام إلى هذه الحركة الجديدة. أيضا هناك التفاوت الكبير بين القطاعين الحكومي والخاص لتطوير العمل في التجارة الإلكترونية, فكما نعلم جميعا بأن المنطقة تستقطب الشركات العالمية التي تأتى لغرض التجارة من دول مختلفة ولديها معلومات تجارية لا تمت إلى هذا البلد بصلة وانما تصلح للاستخدام في بلدانهم فقط مما تسبب في عدم معرفة التشريعات والتعليمات القانونية لتنظيم استخدام هذا الأسلوب في التعاملات لمنع إساءة الاستعمال والحماية من عمليات النصب والاحتيال من قبل بعض المؤسسات, كذلك يجب على المصرف المركزي تقديم المساهمة لهذا الموضوع والتعاون بشكل اكبر مما نحن الان فيه مع البنوك العاملة في الدولة والتي لها صلة بالجمهور والمؤسسات التجارية لعقد ندوات لمناقشة كل ما يستجد من مشاكل تخص التجارة الإلكترونية والفائدة المرجوة من هذا النوع من التجارة من الناحية المالية, أما عن العقبات الموجودة حاليا فهي عدم وجود مواقع للمؤسسات الحكومية نفسها على شبكة الانترنت حتى يعطي الدافع للمؤسسات التجارية للانضمام, وأيضا عدم أخذ الدوائر الحكومية الموضوع بجدية والقيام بتدريب الكوادر التي سوف تتعامل مع الجمهور حتى يعرف الموظف بنفسه ماهي شبكة الانترنت؟ وكيف يتم استخدام الشبكة لتطوير المنشآت الحكومية أو التجارية, حتى تتمكن المنطقة من المنافسة في التجارة الدولية واستخدام آخر التطورات التكنولوجية, لان هناك بعض الأسباب في حقيقتها قد تمكن من عدم المساهمة في تطوير التجارة الإلكترونية في المنطقة اذا لم تقم الجهات المعنية في الدولة بالتغلب على هذه الظاهرة, وهي كما سبق وأن أوضحنا عدم وجود الجهات الحكومية على الشبكة بشكل قوي, وعدم وجود توعية كافية ليس فقط على مستوى التجارة بل أيضا داخل المدارس والكليات والجامعات حتى يتعرف الطالب على هذه التقنية, في حقيقة الأمر الأجيال المقبلة هي التي يجب أن تتعرف وبشكل جيد على هذه التقنية فهي التي سوف تقود الدولة نحو التطوير والدخول بها إلى مصاف الدول المتقدمة تكنولوجيا فالاستثمار لم يعد استثمارا ماديا فقط بل أيضا استثمارا بشريا, حاجز أخر هو ان دولة الإمارات العربية المتحدة تواكب وبشكل كبير التطورات التكنولوجية والإدارية والتجارية اذا ماهي الاسباب التي تقف وراء عدم النمو والذي يرضي طموحاتنا من ناحية عدد أعضاء شبكة الانترنت في الدولة؟ إذا كان العدد أقل من 200 ألف شخص, كيف يمكن لنا أن نقوم ونبني التجارة الإلكترونية, هذا العدد أيضا ليس من رجال الأعمال بل من هواة الاتصال على الشبكة أو موظفين ذوي دخول بسيطة أو فئات أخرى مشابهة. هنا يأتي دور الاتصالات للمشاركة والمساهمة بشكل فعال حتى يصل العدد الى ما يرضي الطموح وذلك حسب التطور المذهل في المجالات الأخرى, وأقترح أن تتيح مؤسسة الإمارات للاتصالات مجالا للمؤسسات الأخرى وعدم القيام بعمل portal أو القيام بإنشاء موقع للتجارة الإلكترونية لمنافسة سوق العمل لان الجميع ينظر لمؤسسة الإمارات للاتصالات بأنها جهة احتكار ولن تسمح بالمنافسة. كذلك يجب أيضا عمل مراجعة ودراسة شاملة للبنية التحتية الأساسية لوسائل الاتصال ليس في دولة الإمارات العربية المتحدة فقط بل في المنطقة التي تربطنا بها علاقات تجارية, ولان التجارة الإلكترونية سوف تعمل على تقوية هذه العلاقة ولان التجارة هذه المرة سوف تعتمد على التكنولوجيا. ان التخطيط السليم في هذه المرحلة والتعرف أيضا على أسواق الدول المجاورة التي تربطنا بها جميعا مصالح تجارية سوف تساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية والتجارية في المنطقة, كما أن البنية الأساسية السليمة في نقل المعلومات من خلال الشبكة سوف يساهم بشكل فعال في الحفاظ على المعلومات وحمايتها وذلك حسب أهمية المعلومة والهدف المطلوب تحقيقه منها, وايضا علينا أن نقوم بحماية الشبكة من خلال مكافحة الفيروسات واستخدام أجهزة دفاعية ضد المتسللين, فكما نعلم جميعا فان الشبكة مفتوحة إلى جميع أنحاء العالم والسيطرة الكاملة تعد من الأمور الصعبة ولكن الحذر مطلوب, أيضا على الشركات العاملة في المنطقة في مجال التكنولوجيا والمزودة لتقنية وبرامج التجارة الإلكترونية أن تكون مستعدة تماما لتوفير التطبيقات المعربة لان جميع المؤسسات الحكومية مستقبلا سوف تكون مواقعها باللغة العربية وليس باللغة الإنجليزية فقط, أيضا مطلوب من المؤسسات التكنولوجية التنافس بروح التجارة وليس كما يحدث الآن في بعض المناطق. الاستيراد لا يكفي الأمر الذي يشغل البال ومازالت أحاديث المسئولين في كل قطاع من قطاعات العمل المختلفة تتناوله هو توفير الكوادر المدربة على تكنولوجيا التجارة الإلكترونية لان الأنظمة التقنية في حالة تطور كبير واللحاق بركب التطور يتطلب المزيد من المتابعة والدراسة سواء من قبل الجهات الحكومية أو الخاصة, أيضا على المؤسسات الحكومية أو الخاصة أن تتعلم من بعض الأخطاء التي ارتكبت في السابق في عدم توفير التقنية أو الكوادر لمتابعة العمل من قبل المؤسسات المزودة للتكنولوجيا, لان التجارة الإلكترونية تعتبر من اصعب التقنيات ولايمكن الاستهانة بها وربما تؤدي إلى تجميد الكثير من الأنشطة التجارية, لان المنافسة التجارية العالمية والإقليمية أو المحلية شديدة جدا وأي خلل يعطي الفرصة للشركات المنافسة أن تتفوق على الشركات الأخرى مما يضر بالاقتصاد الوطني, أيضا علينا أن نكون مستعدين لاستقبال هذه التقنية من منظور تكنولوجي وعالمي ووضع الميزانيات السليمة والحقيقية لصرفها حسب خطة مدروسة وليس كما يحصل الآن بشكل عشوائي لان الأنظمة الحالية لا يعلم أحد من خططها, ولكن التجارة الإلكترونية سوف تكون على شبكة والكل يعلم ماذا يدور بين جدران المؤسسات أو الشركات في الداخل, أيضا علينا ان ندرك تماما أن بعض المؤسسات العالمية تتخذ من المنطقة مقرا لها وبالتالي فهي ليست جاهزة في تقديم الخدمة وخاصة في هذا المجال, وبالتالي علينا أن نكون دائما حريصين على اختيار الأفضل, على المؤسسات أن تكون على حذر تماما وتدرك ما هي المواصفات وماهي التقنية المطلوبة للاستمرار وليس تغيير النظام من فترة إلى فترة. كلمة أخيرة ... في حال انتقال التجارة من الحركة التقليدية إلى الحركة التكنولوجية وهو ما يسمى بالتجارة الإلكترونية فعلينا جميعا أن ندرك أنه لا توجد وسيلة للتراجع وأن التخطيط السليم هو الحل الوحيد ويفضل قيام الجهات الاستشارية كل في عمله للقيام بتنفيذ نظام التجارة الإلكترونية في أية مؤسسة سواء خاصة أو حكومية وليس كما يحدث أن تقوم مؤسسة فنية مثلا بإعطاء استشارة مالية وما إلى ذلك, هذا ونتمنى أن تكون هناك مؤتمرات وندوات وأمورا تنظيمية تساهم في نشر الوعي حتى نواكب التطور العلمي, الثقافي, التجاري, المالي ... إلى اخره, من خلال التكنولوجيا التي أصبحت عصب الحياة. * كاتب من الامارات متخصص في الحاسب الآلي

Email