عوامل النزاع في الشرق الاوسط، بقلم ياسر الفهد

ت + ت - الحجم الطبيعي

كثيرا ما يوصف الشرق الاوسط بانه منطقة المتاعب والاضطرابات, مع ان مناطق غير قليلة في العالم تعاني من مشكلات مشابهة, والدليل على ذلك, على سبيل المثال, ما حدث في البلقان والشيشان وداغستان وتيمور الشرقية والكثير من المناطق الافريقية . ولكن ما تنفرد به منطقتنا, ان النزاعات فيها اصبحت مزمنة أو شبه مزمنة, فما ان يهدأ واحد منها في مكان ما, حتى ينشب غيره في بلد ثان, وقد تكون التفجرات احيانا محدودة جدا وبطيئة, كتلك التي تقع في جنوبي لبنان, أو واسعة النطاق كما حدث في الخليج, ويبدو وكأنه قد كتب على هذه المنطقة من العالم ان تبقى دائما في حالة قلق وعدم استقرار, وعندما بدأت مساعي الحل السلمي للنزاع العربي ـ الاسرائيلي, منذ زمن طويل, تصور الكثيرون ان المنطقة اصبحت مقبلة على السلام والامن والهدوء, وانها على وشك ان تنعم براحة البال. ولكن ما حدث بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد بين مصر واسرائيل, لم يكن اخف وطأة مما كان قبل ميلاد هذه المعاهدة, واكبر شاهد على ذلك الحرب المريرة المدمرة التي اشتعلت بين العراق وايران, فحرقت الاخضر واليابس وفتكت بحياة مئات آلاف البشر. وتفسير ذلك ان الصراع العربي ـ الاسرائيلي ليس السبب الوحيد لاضطراب حوض المتوسط, بل ان هناك عوامل كثيرة, غيره منها المذهبية والتناحر الديني, الظاهر والخفي, بين الديانات وهذا يذكرنا بالحرب الاهلية اللبنانية التي امدت سنوات طويلة وكانت الخلفية المذهبية احد اسبابها, وهناك ايضاً مشكلة التطرف الديني, والتي كانت احد العوامل التي ادت إلى اندلاع الحرب المخيفة بين العراق وايران. وطبعا كانت هناك اسباب اخرى لهذه الحرب, ليس هنا مجال شرحها, وتوجد ايضا مشكلة الاقليات, مثل الاقليات الكردية والدرزية والارمنية والشركسية وغيرها. وللبرهنة على اهمية هذه المشكلة وخطورتها, نذكر على سبيل المثال, جولات القتال العديدة بين الجيش العراقي والاكراد في شمالي العراق, ناهيك بالنزاع طويل الامد بين تركيا وحزب العمال الكردي, ولا ننسى ايضا الفئوية التي تنخر في اوصال وحدة الامة وتماسك المجتمع, وتحيل الوطن الواحد إلى فئات متعددة, تكيد لبعضها بعضا, ويبدو كل منها, وكأنه مجموعة سياسية مستقلة معادية لباقي المجموعات, وهناك كذلك معضلة المياه التي اخذت تستفحل وتزداد خطورة يوما بعد يوم, ونذكر في هذا المجال, كمثالين, النزاع المائي المستمر بين تركيا من جهة, وسوريا والعراق من جهة اخرى, وكذلك الاختلاف المائي الذي نشب بين الاردن وبين اسرائيل في عهد نتانياهو. ومن المشكلات الاخرى, مشكلة البترول التي تجعل منطقة الشرق الاوسط ذات الاحتياطي الضخم من النفط منطقة حساسة, ومصدرا للصراع, وهذا يذكرنا بالتدخل العسكري واسع النطاق الذي قامت به الولايات المتحدة ودول التحالف ضد العراق ابان اقدامه على احتلال الكويت وتهديده المصادر النفطية الحيوية في الخليج العربي... ونضيف الى كل ما سبق الخلافات السياسية التي تنشأ بين كل حين وآخر بين الدول العربية نفسها, بسبب تعارض وجهات النظر والمصالح, مما ينشأ عنه تهديدات وتوترات شتى. ولا يفوتنا بالطبع ان نشير الى اهمية النزاع لاسباب اقليمية. وضمن هذا النطاق, نستذكر النزاع بين سوريا وتركيا بسبب لواء الاسكندرون, وكذلك بين دولة الامارات العربية المتحدة وايران بسبب الجزر الثلاث التي احتلتها الاخيرة بدون وجه حق, ناهيك بالخلافات الحدودية المستمرة بين دول اخرى بالمنطقة. مجمل القول ان هناك مشكلات مذهبية وطائفية وايديولوجية ومائية وبترولية واقليمية تجعل من الصعب, على منطقة الشرق الاوسط ان تركن الى الهدوء وتنعم بالأمن. وفي الوقت الحاضر, فان النزاع العربي ـ الاسرائيلي هو من أعظم الاسباب التي يمكن ان تؤدي الى اثارة الاضطرابات والقلاقل, وحتى الحروب في هذه المنطقة. ولكن جهودا حثيثة تبذل الان لحسم هذا النزاع وتحقيق السلام بين العرب واسرائيل. ولكن حتى لو تحقق هذا بالفعل, فان السلام القادم سيكون على الاغلب سلاما هشا بسبب العقلية الاسرائيلية العدوانية والمتغطرسة, والتي لا تقبل بعودة القدس الى العرب, ولا بعودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم, ولا بالرجوع الى خطوط الرابع من يونيو, ولا باقامة دولة فلسطينية كاملة.. اذن, فان منطقتنا, حتى لو سعدت بالاستقرار حينا من الزمن, فإنها لابد ان تنفجر من جديد, وذلك بسبب اجتماع اسباب عديدة, تتضافر جميعها لإذكاء شعلة الصراع بين دول المنطقة, وداخل كل دولة. ولكن كل هذه الاسباب يمكن تكثيفها في سبب واحد هو التخلف. فلولاه لما كان للمذهبية او الطائفية او التعصب او الفئوية اي دور او تأثير. لذلك فان تحقيق الاستقرار الدائم في منطقة الشرق الاوسط رهين بالدرجة الاولى بمكافحة التخلف, ولاسيما التخلف الاخلاقي. اما كيف يتم هذا, فان الحديث فيه يطول, لان ظاهرة التخلف معقدة وجدلية. فهل هي فطرية ومرتبطة بالوراثة؟ ام ناجمة عن تأثيرات احداث خارجية ألمت بالمنطقة؟ ولسوء الحظ, فان جميع النقاشات التي جرت بهذا الشأن لم تتمخض عن اية نتيجة حاسمة. وعلى كل, سواء كان تخلف ابناء شعوب الشرق الاوسط, ناشئا عن اسباب وراثية ام بينية, فان بالامكان عمل الكثير لمواجهة هذا التخلف. والعبء في هذا المجال يقع بالدرجة الاولى على قطاعات التربية والاعلام والثقافة. كاتب سوري

Email