حرية الفكر: اختلاف على صفات مرحلة، بقلم د. شفيق ناظم الغبرا

ت + ت - الحجم الطبيعي

أثار سجن رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الكويت د. أحمد البغدادي لمدة ثلاثين يوما الكثير من الأسئلة حول حدود حرية التعبير والقيود التي تواجهها, فاستخدام البغدادي لكلمة (فشل) بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم في بداية عهد الدعوة في مكة(ثم استخدامه لكلمة(نجح)في وصفه لانتقاله للمدينة ونجاحه هناك)أخذت أكثر من وزنها وصولا إلى حكم قضائي في قضية البغدادي اسقاطاً لأحكامنا الخاصة والشخصية. فكلمة (فشل) في الحضارة الغربية لا تعني نفس الكلمة في حضارتنا, كلمة (فشل) بين المثقفين غير كلمة (فشل) في الوسط الاجتماعي الأوسع, وكلمة (فشل) بين المتدينين تختلف عن (فشل) بين متوسطي التدين أو قليلي التدين, كما ان كملة (فشل) بين الجيل الجديد غيرها بين الجيل الأكبر سنا, لهذا فقرار انزال عقوبة بسبب استخدام كلمة تحمل أكثر من مضمون وأكثر من معنى في أكثر من وسط سياسي واجتماعي وعمري لم يعالج الأمر بل زاده تعقيدا وأضاف عليه حملا ثقيلا. وتبقى قضية الرأي الآخر قضية شائكة في عالمنا العربي, فمجتمعاتنا لم تعتد على الرأي الواضح أو النقد الهادف أو الطرح المخالف, وبينما نما في الغرب نمط من الثقافة يتحمل الكثير من الاختلاف مازلنا في مرحلة أولى في ممارسة هذا الحق, ومع ذلك لقد قطعت بعض الدول العربية شوطا هاما في مسألة الحرية والتعبير, والكويت وبالرغم من الحكم ضد البغدادي قطعت شوطا هاما نسبة لما كان عليه الحال منذ عقد أو اثنين, ولكن هذا لايعني غياب الانتكاسات وامكانية التراجع. بل تؤكد هذه الحادثة ان الطريق نحو حرية الكلمة وحرية العقيدة كما كفلها الدستور الكويتي طويل ويتطلب مزيدا من العمل. ومع ذلك يمكن الجزم بأن المرحلة المقبلة سوف تشهد مزيدا من حرية الرأي, وذلك لأنه مع مرور الوقت تصبح الناس أكثر تقبلا للرأي الآخر مهما كان مخالفا أو مهما بدا غريبا عنها, ان الكثير مما يقال اليوم في الصحافة الكويتية كان في عداد الممنوعات منذ عشر سنوات, في السابق كانت القضايا الخلافية تركز على أمور تتعلق بالنظام السياسي أو بدول منطقة الخليج كما كان الحال مع كتاب د. عبدالله النفيسي (الكويت والرأي الآخر) والذي نشره في أوائل الثمانينيات أو كتاب د. خلدون النقيب حول المجتمع والدولة في منطقة الخليج والذي نشره في أواخر الثمانينيات, فقد أثارت هذه الكتابات ردود فعل سياسية من الدولة ومن قطاعات من المجتمع ونظر إليها وكأنها كسر لحرمات سياسية, وبعد مرور أكثر من عقد نجد ان ما يكتب اليوم عن النظام السياسي في الكويت وعن الحكومة وعلى الأخص في الصحافة الكويتية أكثر من السابق وذلك لأن هامش الحرية والديمقراطية قد اتسع بفضل عوامل محلية وعالمية. وحتما ستقع الخلافات بوجود صحافة حرة وحرية كلمة, بمعنى آخر لن تكون قضية البغدادي هي الأخيرة كما تؤكد أحداث كثيرة في الكويت وفي البلاد العربية والاسلامية خاصة مع تزايد عدد المجتهدين والمفكرين الذي لا ينتمون للمدرسة التقليدية في التفسير, وعلينا ألا ننسى ان الاتجاه في العالم هو لمزيد من الحرية مهما كانت الآراء المختلفة. في نهاية الطريق سوف نكتشف محليا وعربيا واسلاميا كما اكتشف غيرنا في العالم ان القيام بعمل قضية من وراء تصريح, أو القيام بالتحقيق مع كاتب واثارة الحسبة ضده بسبب مقال أو بسبب كتاب سوف يزيد الأمور سوءا, كما انه يحرفنا عن مجرى التنمية وعن القضايا التي يجب ان نتفرغ للتعامل معها, بمعنى آخر فإن فرض العقاب على من يقول برأي مخالف أو فرضه على من يرسم رسما يتجاوز ما اعتدنا عليه أو يقول شعرا لا ينسجم والذوق العام, يساهم في تصليب هذا الرأي ويساهم في تقويته, لهذا سوف يكون علينا ان نتعلم, ونحن جميعا أبناء مجتمعات شديدة التحرك والسفر والتعرض لمنتوجات العالم الفكرية والحسية, فإنه من الأفضل ان نترك للمجتمع والفرد حرية ان يقرر مقاطعة كاتب ان أراد أو مقاطعة فنان ان أراد, عوضا من ان نفرض عقابا نيابة عن المجتمع في أمر يدخل أساسا في مجال الرأي والاجتهاد. * استاذ في قسم العلوم السياسية في جامعة الكويت

Email