خط مباشر : جريمة إسمها الاغاثة بقلم احمد عمرابي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لو بعث(الفريد نوبل)لربما راجع نفسه بشأن الجائزة التي خصصها لوقف الحروب وإحلال السلام في العالم. الفريد نوبل اراد ان يريح ضميره قبل ان يموت. فقد كان هذا العالم الكيميائي السويدي الذي توفي عام 1896 هو الذي اكتشف تلك الخلطة التدميرية التي صارت تعرف باسم الديناميت . بسبب هذا الاكتشاف ومخترعات اخرى ابتكرها صار نوبل من اثرياء العالم. لكن ضميره كان يؤرقه بأنه باختراعه الديناميت فانه اضاف مادة اخرى الى مواد القتل الجماعي في الحروب... رغم ان الديناميت كما نعلم يمكن ان يستخدم ايضاً لاغراض سلمية مثلا نسف الصخور لغرض استخراج معادن نفيسة دفينة) . لذا قرر نوبل, وكأنه اراد ان يكفر عن (إثم) , ان تخصص ثروته بعد موته لخمس جوائز سنوية من بينها جائزة تقدم (للخدمات المبذولة في سبيل السلام العالمي) (الخدمات الاربع الاخرى للتفوق العلمي في الفيزياء والكيمياء والطب والادب) استذكرت هدف نوبل النبيل وانا اطالع الاخبار هذا الاسبوع بشأن منح جائزة السلام لهذا العام الى واحدة مما بات يعرف باسم (جمعيات الاغاثة التطوعية غير الحكومية) . تحديدا جمعية (اطباء بلا حدود) الفرنسية التي تنتشر كوادرها الطبية في انحاء العالم الثالث للمساهمة في انقاذ حياة ضحايا الحروب والمجاعات بالاضافة الى الكوارث الطبيعية. ان جمعيات الاغاثة العالمية ظاهرة غربية حديثة النشأة الهدف منها خلق مظاهرة دعائية مستمرة للتغطية على الاسباب الحقيقية للمجاعات والحروب الاقليمية في العالم الثالث, وعلى الاخص في افريقيا السوداء. وخلال قيامها بهذا الدور ووجودها المستديم داخل حدود بلدان العالم الثالث وعبرها فانها تقوم بمهام استخبارية وتجسسية واحيانا قتالية ـ لحساب اجهزة الاستخبارات الغربية وحكوماتها. ان تزامن نشوء ظاهرة جمعيات الاغاثة مثل (اطباء بلا حدود) و (كير) و(ورلد فيجن) مع حلول ازمة الديون في العالم الثالث ليس من قبيل المصادفة العشوائية. فالحكومات والمؤسسات الغربية المالية الدائنة كانت تعلم سلفا وفقا لدراسات اعدت خصيصاً ان شعوب العالم الثالث مقبلة على عهود طويلة من الشظف والافلاس وما ينتجان من مجاعات مستديمة وحروب وفتن دموية بسبب التنازع على شح الموارد المتناقصة. وقد كتب معلقون غربيون في هذا السياق حيث بينوا ان السبب الجذري لهذه الكوارث هو العبء المتعاظم للديون الخارجية الذي ينوء به كاهل الدول الفقيرة. ظاهرة جمعيات الاغاثة بدأت اذن في اوائل الثمانينات... ذلك التوقيت الذي بدأت معه افرازات الافلاس المالي في العالم الثالث بمعدلات متسارعة فتعطل اداء مرافق الصحة العامة والعلاج والتعليم مع تدهور موارد الانتاج خاصة في قطاع الزراعة... فتسارع انتشار الامراض وسوء التغذية... ومن ثم انتشرت المجاعات. وعلى صعيد موازٍ ادى تدهور الموارد في الدول الافريقية الى نزاعات حول ما تبقى من موارد شحيحة في مناطق حدودية مشتركة مما وفر سببا لاشتعال فتن عرقية داخلية وحروب بين الدول. ان الحل البسيط بالطبع هو ان تقرر الحكومات والمؤسسات الغربية شطب الديون عن العالم الثالث فتذهب اقساط الديون والفوائد الباهظة الى انعاش الاقتصاد الوطني واعادة تأهيل الخدمات الضرورية. ولكن بما ان الغرب الرأسمالي يرفض اتخاذ مثل هذا القرار فانه قد نشأت الحاجة لدى الحكومات الغربية لابتداع غطاء دعائي لصرف الانظار عن السبب الحقيقي للمشاهد غير الانسانية المخزية في افريقيا والعالم الثالث. من هنا كان التفكير في خلق منظمات (تطوعية) لتتعامل مع (النتائج) لا (الاسباب) وسط زخم اعلامي متجدد حتى يتركز الانتباه العالمي على عمليات إنقاذ الجوعى والجرحى وينصرف بعيدا عن القضية الحقيقية ـ ازمة الديون. وهكذا تساهم جمعيات الاغاثة في التغطية على المجرم بينما تبدو ظاهريا وكأنها تحنو على الضحية.

Email