خط مباشر : باكستان وجذور ازمة الحكم ، بقلم : احمد عمرابي

ت + ت - الحجم الطبيعي

ربما تنقضى اسابيع او حتى شهور قبل ان ينتهي تفاعل الاوضاع الراهنة في باكستان الى حالة او اخرى لكن طالما ظلت الانظمة المتعاقبة, مدنية كانت ام عسكرية, تتفادى مخاطبة جذور الازمة الاقتصادية. لب الازمة الاقتصادية يتمثل في مشكلة الديون الخارجية, واول ما ينبغي ان يلاحظ في هذا السياق ان باكستان بالمقارنة مع المستويات الاقتصادية السائدة في العالم الثالث, ليست بلدا فقيرا, وعلى اساس الموارد المتوافرة فإن الانتاج في القطاع الزراعي يوفر حالة من الاكتفاء الذاتي في الاغذية الضرورية من ناحية ويجعل باكستان في طليعة مصدري القطن, اما في القطاع الصناعي فان الانتاج بمعدلاته الراهنة يحقق ايضا اكتفاء ذاتيا في سلع مصنعة ضرورية كالملبوسات والادوية والمنتجات الكهربائية والادوات المنزلية ومواد البناء بأنواعها. ما الذي اذن يجعل باكستان تعيش ازمة اقتصادية مزمنة تتفاقم من عام الى آخر ومن عقد الى عقد؟ ان الاجابة الحاضرة السهلة التي يرددها السياسيون قاطبة وكبار رجال المؤسسة العسكرية هي انتشار الفساد في الجهاز الحكومي, غير ان ظاهرة الفساد, رغم انتشارها وتناميها السرطاني ليست الا قضية جانبية. ان السبب الجذري الحقيقي للنزف المالي في باكستان لمدى عقود متصلة حتى الآن هو ان جل ما يتحقق للبلاد من عائدات الصادرات بمليارات الدولارات في النقد الاجنبي لايذهب الى تغذية الارصدة المصرفية للحكومة وانما الى مجموعة من الدائنين الغربيين في شكل اقساط (واجبة السداد) وما يتبعها من فوائد باهظة. وفقا لاحدث احصائية تناهز ديون باكستان الخارجية الآن 32 مليار دولار, اكثر من نصفها (فوائد) والمشكلة هنا هي ان عبء المديونية يزيد ولا ينقص مهما واصلت باكستان الدفع سنويا لان الفوائد واقساط السداد باهظة الى درجة ان الحكومة تجد نفسها مفلسة عند نهاية كل سنة مالية.. وبالتالي تضطر الى المزيد من الاقتراض للوفاء بما يستحق من سداد. معنى ذلك ببساطة ان الازمة الاقتصادية الهيكلية سوف تتواصل, بل وتتعاظم , الى الابد مع استمرار عجز الحكومات المتعاقبة عن توفير الحد الادنى من التمويل لاستيراد الضروريات خاصة مدخلات الانتاج والمعدات والتجهيزات وقطع الغيار والوقود.. مما يؤدي الى شح مزمن في المعروض من السلع والخدمات الاساسية وبالتالي تفاقم الغلاء في السوق الاستهلاكية من ناحية وتدهور المرافق الحيوية العامة من جهة اخرى. بازاء هذا الوضع المزري المزمن ظلت الحكومات المتعاقبة تكتفي باتخاذ اجراءات هامشية لاتخاطب لب المشكلة وجذورها, والسياسة التقليدية التي ظلت تتبع تقوم على اساس تحاشي المواجهة مع الحكومات الغربية ومؤسساتها المالية كصندوق النقد الدولي من اجل طلب الغاء الديون وشطبها نهائيا. من هذا المنظور فان القضية تظهر جلية في اطارها الصحيح.. فهي بالدرجة الاولى قضية سياسية اكثر منها اقتصادية اما سبب احجام الحكومات المتعاقبة عن الدخول في مواجهة سياسية جسورة مع الغرب في هذا الصدد فيرجع الى ان المؤسسات الغربية تكافىء السياسيين الحاكمين بغض البصر عن ممارسات الفساد والاثراء الشخصي غير المشروع. من ناحية اخرى فان احد اسباب تفاقم الديون الخارجية الباكستانية يعزا الى الطلبات المتزايدة للمؤسسة العسكرية من اجل تطوير الكفاءة العسكرية للقوات المسلحة من مشتريات متجددة للاسلحة والمعدات وبالطبع فان اكبر بند في هذا المجال هو الانفاق على تطوير البرنامج النووي. اذن سوف تتوالى التحولات السياسية في باكستان باشكالها الديمقراطية والعسكرية الى ان يفرز التغيير على المدى الطويل زعامات تملك القدرة والرغبة للدخول في مواجهة حاسمة مع الغرب.

Email