من يحمي الموظف العام؟!بقلم نجيب عبدالله الشامسي

ت + ت - الحجم الطبيعي

الوظيفة العامة في أي مجتمع تعني حقوقا وواجبات, والحقوق أو الواجبات تحمل جانبين, هما الجانب المادي والجانب المعنوي, فإذا كان الموظف يؤدي واجباته الوظيفية على اكمل وجه فيقدم انتاجا وابداعا فكريا وذهنيا وعمليا, فإنه لابد وان يحصل على حقوقه المادية والمعنوية, والتي تتمثل في احترام المؤسسة له واحترام وتقدير رؤسائه له , وحرص المؤسسة على توفير كل اسباب الاستقرار النفسي والامان الوظيفي المؤدي الى خلق مناخ مناسب للعمل والانتاج.. وهنا فإنه مطالب أن يؤدي واجباته الوظيفية على أكمل وجه وفي حال تقصيره فإن المؤسسة عليها أن تحاسبه بموجب اللوائح والانظمة المعمول بها. اذن يتطلب الأمر فهم الموظف لواجباته وحقوقه, ويتطلب من المؤسسة توفير الظروف المناسبة للعمل, وإلا فإنه قد يحدث خلال ينعكس على الموظف وعلى انتاجية الموظف. في دولة الامارات العربية المتحدة بمؤسساتها ووزاراتها ودوائرها الحكومية والعامة بات الموظف العام سواء كان موظفا مواطنا أو غير مواطن يعاني من ضبابية وعدم الوضوح في حقوقه وواجباته بسبب الارث الاداري المتراكم, والذي تم نقله الى الامارات من دول تعاني من بيروقراطية الادارة وروتين العمل وغياب الفهم لحقوق الموظف وواجباته. وذلك الارث الاداري الذي يحكم دولا ذات كثافة سكانية وحجم كبير في العمل والعمالة, وتفتقر الى التقنية, لايتناسب البتة مع طبيعة وقواعد العمل في دولة تشهد التحول وهي في سباق مع الزمن. فالمناهج الادارية والاطر المعمول بها في دولة كبيرة لاينجح تطبيقها بالضرورة في دولتنا الفتية الصغيرة, كما ان تلك الاطر والقوانين واللوائح المعمول بها في دولتنا تحتاج الى الكثير من المعالجة والتحديث كي تتناسب مع استمرار انطلاقة الدولة وهيكلية العمل الاداري والاصلاح الاقتصادي الذي ننشده. ولما كان الموظف هو محور الانتاجية واساس العمل في مؤسساتنا فإنه يجب ان يعرف جيدا ماهية حقوقه وواجباته.. فإذا ما انتهى من ذلك فإن المؤسسة أو الوزارة معنية بتوفير المناخ المناسب له كي يعمل وهو يشعر بالاحترام لنفسه واحترام العاملين في المؤسسة له. ولكن في ظل اوضاعنا الادارية التي تحتاج الى اصلاحات كثيرة, ولكونها تعاني من فساد اداري أحيانا إن الموظف العام يعاني فيها من اضطهاد نفسي وضياع حقوقه, فكثيراً ما نقرأ في صحفنا المحلية عن حالات لموظفين يعلنون عن شكواهم ومعاناتهم الحقيقية في الوظيفة الحكومية أو العامة وكثيرون هم الذين يعانون ضغوطا نفسية بسبب التهميش والتحطيم, أو من تجاهل رؤسائهم أو مؤسساتهم أو ضياع حقوقهم المادية والمعنوية. فكيف يستطيع الموظف ان ينتج في ظل وضعية كهذه؟! كيف يستطيع الموظف العام ان يؤدي واجباته الوظيفية بكل أمانة وصدق في ظل اضطهاد نفسي وغياب حقوقه. ان أي مؤسسة أو وزارة لايمكن ان تحقق نجاحها بالمكاتب واللوائح والاوراق والملفات, دون ان يكون هناك موظف يشعر بأمنه الوظيفي واستقراره النفسي كي يبدع وينتج, اما الجو المشحون بالتوتر والتهديد والوعيد فإنه لن يسفر الا عن تجاوزات وظيفية, وعدم احترام العمل وضعف الانتاجية. وإذا استطاعت شريحة من الموظفين الهروب من تلك الاوضاع التي يعانون منها في تلك المؤسسات والوزارات لانهم قد وجدوا فرصة اخرى فإن آخرين مازالوا يعانون في وظائفهم وهم صامتون لعل الفرج, يأتيهم!! في ظل هذه الوضعية فإن وجود محكمة ادارية يلجأ اليها الموظف العام يشكل اهمية كبيرة في الاستقرار الوظيفي وتحقيق الامن الوظيفي للموظف العام, حيث يلجأ اليها هذا الموظف سواء في حال انهاء خدماته بدون وجه حق او في حال عدم حصوله على حقوقه المادية أو في حال حدوث اضطهاد أو (تطفيش) أو تهميش له. كما ان هذه المحكمة سوف تبت في القضايا التي يكون طرفها مؤسسة حكومية أو وزارة أو دائرة في حال وجود خصم لها هو الموظف العام. وهذه المحكمة لن تحقق نجاحها الا اذا توفرت لها الآليات من قضاة على دراية عالية وفهم صحيح ببيئة العمل ووجود قوانين وانظمة وتشريعات يتم الاحتكام اليها, وتكون هذه المحكمة هي المرجع الاخير في حال حدوث أي مخالفات أو تجاوزات من قبل الموظفين العامين لها الحق في النظر في القضايا الادارية او الشكوى التي يتقدم بها الموظف العام. وإذا كان قانون العمل المعمول به في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية قد كفل حقوق الموظف العامل في القطاع الخاص سواء كان وافدا أم مواطنا فإنه حري بنا أن نجد قانونا اتحاديا بموجبه يتم انشاء محكمة ادارية تنظر في شكاوى الموظف العام وتبت في القضايا الادارية التي يكون الموظف العام أو المؤسسة أو الوزارة طرفا فيها احقاقا للحق وتوفيرا للمناخ المناسب للعمل, ورفقا للظلم الذي تعاني منه شريحة من الموظفين العاملين في وزارات الدولة ومؤسساتها ودوائرها الحكومية. ان وجود محكمة ادارية سوف يخلق جوا مناسبا للعمل والانتاجية, ولن نجد هناك صيحات في صحفنا أو وسائل اعلامنا, ولن نسمع انينا لموظف عام بسبب ظلم قد وقع عليه فإذا كفلت الدولة حقوق الفراشين والخدم في المنازل والوظائف الخاصة بالقطاع الخاص, وإذا كفل قانون العمل حقوق الموظفين العاملين بالقطاع الخاص وغالبيتهم من الوافدين, فالاجدى والاحق ان يكفل قانون الدولة المطلوب حقوق الموظف العامل في وزارات الدولة ومؤسساتها. إن العدالة الادارية ظاهرة حضارية تتسم بها المجتمعات المتقدمة, وان الوظيفة العامة حق وواجب يجب ان يكون في صميم اهتمامات الدولة في اطار سعيها نحو الارتقاء بالعمل وتحقيق اصلاحات هيكلية في مؤسساتها ووزارتها كي تحقق الاهداف المطلوبة.

Email