خط مباشر: حدود أم وجود؟بقلم أحمد عمرابي

ت + ت - الحجم الطبيعي

التفوق النووي هو الرهان الاخير لاسرائيل في المحافظة على بقائها الابدي كجزيرة وسط محيط عربي ـ اسلامي. وبما ان بقاء الدولة اليهودية على قيد الحياة يعتمد على مدى نجاحها في ان تظل القوة الاقليمية المتفوقة في الشرق الاوسط حضاريا واقتصاديا وسياسيا وثقافيا فان رهانها على التفوق النووي كملاذ اخير هو في الحقيقة مسألة حياة او موت: (اكون او لا اكون) كما كان يردد (هامليت) في رائعة وليام شكسبير (ماكبث) . وبينما يبشر الآن بعض القادة العرب ومن يواليهم من مفكرين ومعلقين وخبراء اقتصاديين ورجال اعمال بأن تسوية قضايا الاراضي العربية المحتلة اسرائيليا في اطار معاهدات سلام مع الدولة اليهودية تعني وضع نهاية وخاتمة للصراع العربي الاسرائيلي, وبالتالي تتحول اسرائيل الى دولة صديقة للعرب والمسلمين, فان الرؤية الاسرائيلية الاستراتيجية للامر تظل ثابتة لليوم وغدا والى الابد: انه صراع حضاري طويل المدى ذو عمق ديني بين اليهودية والاسلام, لا كمجرد نزاع حدوي وقتي. هذا هو جوهر المرحلة الراهنة: فقد نجحت اسرائيل في اطار شراكتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة ان تخلق موقفا حضاريا جديدا عبر عملية سلام الشرق الاوسط. وتداعياتها المتصلة بإقناع العرب بأن الصراع ينحصر في نزاعات حدودية عابرة بينما تظل هي متمسكة برؤيتها الثابتة بأنه صراع وجود... لا صراع حدود. وهذا هو الخط الايديولوجي الذي على اساسه تتبنى اسرائيل برنامجا نوويا... وفي الوقت نفسه تصمم بالتعاون مع الولايات المتحدة على احباط اي مشروع عربي او اسلامي يهدف الى تطوير اسلحة نووية. وبناء على هذا الخط الايديولوجي الاسرائيلي فان امتلاك السلاح النووي مع حرمان الدول العربية الاسلامية منه يمثل الرادع الاخير الذي لا يقهر في قمع اي خطر عربي او اسلامي. وعلى نفس المنوال تهدف الاستراتيجية الاسرائيلية الامريكية المشتركة الى انفراد الدولة بتملك الصواريخ بعيدة المدى حتى لو لم تكن مجهزة لحمل رؤوس نووية. ان الاستراتيجيين الاسرائيليين قد يستشعرون السعادة والرضا عن الذات في هذه المرحلة التاريخية الراهنة عند عقد التسعينات وما يليها مباشرة من سنوات المستقبل المرئي تجاه النجاح الاسرائيلي في فرض حالة استسلامية على شعوب الامة العربية كما نرى, لكنهم يدركون ان العداء العربي لليهودية الصهيونية ظاهرة متجددة على مدى التاريخ العربي الاسلامي وسوف تبقى كذلك الاستراتيجية الاسرائيلية اذن تخطط لمقابلة مستجدات مستقبلية قد تنشأ بظهور اجيال عربية جديدة ربما لا تتطابق رؤيتها مع الرؤية الاستسلامية للاجيال الراهنة. من هنا نشأت العقيدة الاستراتيجية الاسرائيلية بضرورة المراهنة على استمرار التفوق الردعي ضد العرب والمسلمين. ومن هنا ايضا نفهم الحملات الاسرائيلية الامريكية ضد اية محاولة عربية او اسلامية طموحة تهدف الى تحقيق تفوق سلامي يمكن ان يتجاوز القوة الاسرائيلية او يوازيها على الاقل ويحضرنا في هذا السياق القصف الاسرائيلي للمفاعل النووي العراقي في الثمانينات ونجاح الولايات المتحدة في إحباط المحاولة الجنينية لكل من الجزائر وليبيا للشروع في إقامة منشأة بحثية نووية والمعارضة الامريكية المستمرة للبرنامج النووي الباكستاني مع عدم معارضة مثيله الهندي ومحاولة تثبيط كل من الصين وكوريا الشمالية عن امداد دول عربية او اسلامية بصواريخ طويلة المدى يمكن ان تطال اسرائيل. انه صراع وجود لا صراع حدود. كان كذلك وسيبقى كذلك. هذا ما تفهمه اسرائيل ومن ورائها القوة اليهودية داخل الولايات المتحدة والموارد الامريكية نفسها, اما العرب فانهم اكتفوا فيما يبدو بأسطورة اسمها (السلام) احمد عمرابي

Email