مشكلة التسرب الدراسي في مجتمع محدود السكان(2 ـ 2) بقلم حسن علي الحمادي

ت + ت - الحجم الطبيعي

استكمالا لما سبق في الجزء الاول من هذه الدراسة, نتناول هنا الاسباب المختلفة لمشكلة التسرب الدراسي, والآثار السلبية المترتبة عليها, مع طرح بعض المقترحات للوصول الى حل لهذه المشكلة ومعالجتها.أولا الاسباب الداخلية: هناك عدة اسباب تساهم في حدوث التسرب وتناميه منها : 1 ـ المظاهر السكانية: إن من المظاهر السكانية في دولة الامارات الهجرة الخارجية غير العربية, مما سبب زيادة سكانية استطاعت ان تؤثر على التجارة والصناعة عامة, وثقافيا واجتماعيا خاصة, ومن آثرها تربويا وجود فجوة بين البناء القيمي المتعارف عليه بين الآباء والأبناء, والتحصيل الدراسي ومن ثم التسرب. 2 ـ اكتشاف النفط: فقد أدى اكتشاف النفط الى حدوث تغيرات عديدة, منها الزيادة الطبيعية في نسبة السكان وذلك نتيجة زيادة المواليد وانخفاض الوفيات. مما ادى على المدى البعيد الى ان اصبح مجموع الافراد في المنزل الواحد يصل من 8 الى 12 فردا دون الحفاظ على مستوى الدخل الكافي فأصبح الجو المنزلي تكثر فيه الخلافات لعدم استطاعة سد الحاجات المدرسية الضرورية, فالانخفاض في دخل الاسرة يؤدي الى اضطراب الطالب والبحث عن عمل, مما يعجزه عن متابعة الدراسة ثم تسربه. 3 ـ الجو المدرسي: ان الضعف في إدارة المدرسة قد يؤدي الى استهتار الطالب ولعبه وعدم اهتمامه بمتابعة دروسه, كما أن رفاق السوء لهم تأثير واضح على سلوك الطالب داخل المدرسة مما يفوت عليه كثيرا من الدروس بالمدرسة, ويؤدي بالتالي الى فشله. ناهيك عن ذاتية التعلم في الطالب نفسه, وضعف المدرس علميا وثقافيا واخلاقيا, وعدم ملاءمة المنهج والامتحانات وازدحام الفصول, كل هذه العوامل تساعد على التسرب. 4 ـ نقص المعلومات: ان كثيرا من الاسر تمتنع عن تقديم معلومات دقيقة حول حالة الطالب وتصرفاته, مما يؤدي الى ضعف تحصيله الدراسي وتكرار الرسوب ثم التسرب في النهاية. 5 ـ تعدد الزوجات: ان زواج الأب لأكثر من واحدة أحياناً يخلق خلافات عائلية, تؤدي الى تفكك أسري والى عدم الاستقرار لدى الطالب, نتيجة تعاطف الأب مع البيت الأول أو البيت الثاني أو البيت الثالث, فيصبح الطالب مشتت الأفكار شارد الذهن, مما يؤدي الى تسربه. 6 ـ الطلاق: ان الطلاق له أثره السيىء والخطير في بنية المجتمع, وفي تشتيت الأبناء, وتشردهم النفسي بين الأبوين, والمنعكسات الخطيرة لهذا التشرد تؤدي الى ضعف التحصيل الدراسي ثم التسرب. 7 ـ التقليد: ان ظاهرة التقليد خطيرة جداً, فكثير من الطلاب تركوا المقاعد الدراسية نتيجة الإهمال واللامبالاة, وانخرطوا في العمل دون وعي, مما أدى على المدى البعيد الى تحريض زملائهم على التسرب من المدرسة ثم العمل معهم. 8 ـ الزواج من أجنبيات: تترتب على الزواج من أجنبيات آثار اجتماعية وثقافية مختلفة, منها تأثير ثقافة الأم على الطالب وتأثر الطالب بلغة الأم واعتماد لغتها في التحدث سواء في المنزل أو المدرسة أو الشارع, مما أفقده روح التعليم ومن ثم التسرب. الأسباب الخارجية: أما الأسباب التي تنتج عن عوامل خارجية, فيمكن اختصارها فيما يلي: 1 ـ التقدم في المواصلات والاتصالات: ان هذا التقدم بلاشك يؤثر على نقل الثقافات من قريب أو بعيد, وبالتالي تشكل خطراً على النسق الثقافي والاجتماعي والقيمي في البلاد. فعلى سبيل المثال لا الحصر نظام (الانترنت) يتم استخدامه من جانب الشباب بصورة خاطئة وخاصة المعلومات التي تشرد ذهن الطالب, مما يكون لديه روح نبذ وكره التعليم ثم التسرب. 2 ـ الاحتكاك مع المجتمعات الأخرى: لقد كان من أثر احتكاك أبناء الامارات بالمجتمعات الأخرى, سواء عن طريق (الأسفار) للتجارة أو للنزهة الى الهند وافريقيا وبريطانيا وأمريكا أو العمل في دول الخليج, جلب ثقافة تلك المجتمعات وانتشارها بين ابناء الدولة مما يؤدي الى وجود فروق بين الثقافة التقليدية والمنبثقة التي تساعد الأبناء على التسرب. 3 ـ التسلل والتجار المتجولون: نظراً لسوء وعي بعض ابناء البلاد, ظهرت فئة من الأفراد تتعامل مع المتسللين والمتجولين الذين يدعون العلم والمعرفة (تجار الشنطة الثقافية) بتعاطف شديد, ما أثر على ثقافة اولئك الافراد وأبنائهم ثم وصل الى حد التسرب. 4 ـ القنوات الفضائية: شهد مطلع التسعينات تزايداً في القنوات الفضائية التلفزيونية الدولية العابرة للحدود عبر الفضاء, وأصبحت جزءاً لايتجزأ من حياة الفرد, وعلى هذا يشكل وصول هذه القنوات حدثاً اجتماعياً كبيراً قاد الى تأثيرات واسعة النطاق على الأصعدة السياسية والاجتماعية والنفسية والثقافية. وكان التسرب نتيجة تلك التأثيرات. تلك كانت بعض الأسباب الداخلية والخارجية التي أثرت وفرضت على شباب الدولة تسربهم من الدراسة, وخاصة في المرحلة الاعدادية. الاثار المترتبة هناك العديد من الاثار السلبية التي تترتب على التسرب الدراسي, سواء بالنسبة للطالب المتسرب نفسه, أو بالنسبة الى المجتمع ككل ومن هذه الاثار: 1 ـ ان الطالب المتسرب أصبح ظاهرة بحكم الملاحظة في المرحلة الاعدادية (أول اعدادي وثاني اعدادي وثالث اعدادي), وأصبح يشكل فاقداً للجهد والمال. 2 ـ ان الطالب المتسرب في هذه المرحلة هو شبه أمي وغالباً يكون نجاحه في الدور الثاني أو متكرر الرسوب, إذ انه انصب تفكيره على العمل, وبالذات العمل العسكري مثل الشرطة والجيش اللذين سرعان ما يهرب منهما. 3 ـ إن أغلبية الطلبة المتسربين, يبقون بدون علم مدة طويلة, فيصبحون عبئا كبيراً على أسرهم وأقربائهم وأصدقائهم والمجتمع. 4 ـ يفقد الطالب المتسرب كثيراً من الأمور مثل المستوى الصحي والعقلي والبدني. 5ـ يتكون لدى الطالب المتسرب شعور عدم الانتماء وخاصة لوطنه, نتيجة الفشل المتكرر. 6ـ يظل الطالب المتسرب على بعد تام من القيم الاجتماعية والاخلاقية والدينية. 7ـ شعور الطالب المتسرب دائما بالقلق والانطواء والنقص والعجز والعزلة نتيجة الحرمان من امور كثيرة. 8ـ الشعور دائما بالتشاؤم من الحياة والارتياب في معظم اوقاتها. 9ـ شعور الطالب المتسرب دائما بتزاحم الافكار المزعجة والتردد الشاذ والتشكك. 10ـ يتعرض الطالب المتسرب لكثير من الامراض وخاصة فقر الدم. برامج علاجية للحد من هذه المشكلة التي تهدد المجتمع في اعز ثرواته, الثروة البشرية, لابد من اتخاذ اجراءات عملية, ووضع خطط منهجية لتلافي هذه المشكلة والوصول الى حلول شافية لها. ومن بين الخطوات المقترحة لتحقيق ذلك: 1ـ تشكيل مجالس من اعيان المدينة او القرية او الحي لمتابعة الطلاب المتأخرين والمتخلفين دراسيا والمتهورين, وربط هذه المجالس مع المنطقة التعليمية والمدرسة حتى تكون هناك صلة بين الجميع للحد من مشكلة التسرب. 2ـ بث برامج توعية للشباب تنمي لديهم الاتجاهات الاسلامية والحفاظ على قيمها, حتى تكون بمثابة درع واقية من التيارات الثقافية الوافدة والعادات والسلوكيات غير المرغوب فيها. 3ـ العمل على توعية الآباء في كيفية معاملة الابناء من خلال وسائل الاعلام المختلفة, وخاصة البرامج التلفزيونية واطلاعهم على التقنيات الجديدة الخاصة بعملية التربية والتعليم حتى يتسنى لهم هضم كل جديد حولهم, خصوصا الذين يسكنون الاماكن الريفية. 4ـ وضع خطة من الادارة المدرسية في كل مدرسة, لجرد الطلبة الذين يحتاجون للمهارات الاضافية ووضع دروس تقوية لهم ليس على مستوى المادة الدراسية فقط, بل على مستوى التثقيف الاجتماعي. 5ـ اقامة الندوات والمحاضرات التثقيفية لاولياء امور الطلبة المتدنية مستوياتهم في بداية كل عام دراسي جديد, حتى يكون هناك احتواء لمشكلة التسرب من بدايتها, وذلك بواسطة جمعيات المعلمين المنتشرة في الدولة. 6ـ حث الجمعيات والمنظمات النسائية على اتباع المنهجية المناسبة فيما يتعلق بكل جديد وايصاله الى حياة المرأة بما يناسب ثقافتها وسلوكها وتصرفاتها. 7ـ وضع لجنة مختصة في دراسة مشكلات ومتطلبات المراهقين واثرها على جوانب الحياة كافة, ووضع الحلول المناسبة لها مرتبطة مع الاسرة والمدرسة. 8ـ وضع دراسات وحلول وضوابط حول اثر القنوات الفضائية والانترنت ووسائل التكنولوجيا الاخرى. 9ـ وضع دراسات وحلول للمشكلات التي تعانيها الفتاة, وخاصة المشكلات العائلية. 10ـ تشجيع الطلاب المتدنية مستوياتهم للدخول في المعاهد الفنية والمراكز التدريبية التابعة لوزارة التربية, وذلك لاعادة تشكيل شخصية الطالب من جديد. وفي الختام, ان كل مانحتاج اليه بعد طرحنا للحلول امران رئيسيان: اولهما, تنفيذ تلك الحلول وفق منهجية واضحة حول الموضوع, وثانيهما, وضع برنامج زمني يراعي الالتزام والتقيد به لكي لاتبقى المشكلة مجمدة على الرف. * باحث من الامارات

Email