الاعلام العربي بين المخاطر والضرورات، اتصال.. ام غزو ثقافي؟ بقلم: د.عبدالرزاق الرفاعي

ت + ت - الحجم الطبيعي

الغزو الثقافي هو تعبير عن حرب فكرية, اما الاتصال الثقافي فهو تأكيد لمبدأ المشاركة الفعالة في المحيط الانساني وممارسة دور الوظيفة الحضارية ان مصطلح الغزو الثقافي هو مصطلح حديث العهد ولج عالم المعرفة والفكر, ويقصد به التدخل في شؤون الغير بهدف التأثير في ثقافاتهم وسلوكهم ومعتقداتهم تدخلا كليا او جزئيا , بمختلف الوسائل المتاحة وفي مقدمتها وسائل الاتصال الجماهيري المتطورة التي نعايشها اليوم. وهكذا نجد, ان الغزو الثقافي قوامه, تبعية ثقافة لثقافة اخرى بحيث يؤدي استمراره الى زوال الثقافة المتأثرة وانتصار الثقافة المؤثرة, وهنا لابد لنا من ادراك الفرق الواضح بين مفهومي الغزو الثقافي والاتصال الثقافي. فالاول بوصفه غزوا يهدف الى محو الثقافة المواجهة بينما نجد الثاني يأتي بمعنى خلق ادوات المساندة والتفاعل بين ثقافتين متقابلتين قوامها التكافؤ والتعامل, بحيث تتفاعل كل منهما بالاخرى, فتتواصل جسور الفكر والمعرفة وتتداخل انواع من التجارب الانسانية لتعبر عن روح الاتصال والحوار الحضاري. تأثير احادي وازاء واقع النظام الدولي الجديد, أحادي القطب بقيادة الولايات المتحدة الامريكية بات الوضع الثقافي المعاصر الذي برزت ملامحه مع انتشار البث الاعلامي الثقافي عبر الاقمار الصناعية, واتضحت توجهاته بصورة جلية بعد انفراد المركز بقيادة العالم المعاصر ما يشكل عوامل تهديد عدة للثقافة العربية تتمثل بالاختراق والتبعية وفقدان الاستقلال الذاتي, والتي يمكن هنا ان نحدد ابرز ملامحها بما يأتي. اولا: الهيمنة الثقافية والاعلامية الاجنبية التي يمارسها الغرب الصناعي على الصعيد العالمي. ثانيا: اضمحلال الصراع الايديولوجي بانتهاء الحرب الباردة بين القطبين وحلول الاختراق الثقافي في اشكاله المتعددة, المقروءة والمسموعة والمرئية, وانماط القيم الدخيلة الاخرى عبر وسائل الاتصال. ثالثا: الحرب الحضارية التي يشنها الغرب والصهيونية العالمية ضد الاسلام, بصفته الخصم الجديد الذي حل محل الشيوعية وعدو الغرب المقبل. وبهذا الخصوص يقول ادوارد سعيد, ان من اهم الظواهر التي اخذت تبرز في الافق العربي وتهدد وجوده وكيانه الثقافي هو تعرضه للغزو الثقافي الغربي المعاصر.. وهو غزو مخطط ومبرمج له ومنفذ من قبل وسائل متطورة في حين يؤكد عبدالله العروي, على ان التفوق الغربي بتنوعاته ومتغيراته جعل الغرب يفرض ثقافته واسلحته المختلفة علينا وذلك لسبب بسيط جدا هو ان التكنولوجيا القادمة تنقل معها معاييرها الثقافية الاصلية, وان اي عمل ليس بمعزل عن محيطه وثقافته وفلسفته وظروفه وتاريخ تطوره. ...وإحلال قسري وفي هذا الصدد يقول هربرت شيللر ان الاقتصاد العالمي, اذا كان يسعى الى تعزيز سيطرته من خلال تحالف رأس المال وتحطيم الحواجز القومية وتوحيد السوق العالمية, فان القضية الاولى له تكمن في كيفية توظيف الاعلام والثقافة في مجتمعات العالم الثالث لخدمة هذه الاهداف بمعنى اشمل ترسيخ تبعيتها الاقتصادية من خلال وضع امكاناتها الاعلامية في خدمة رأس المال العالمي واجهزته. ولعل هذا بدوره يوضح لنا مفهوم الاستعمار الاعلامي الجديد الذي يعرفه شيللر بأنه جهد منظم وواع, تقوم به الدول الكبرى من خلال تنظيماتها الاقتصادية والعسكرية والاعلامية من اجل الحفاظ على تفوقها الكامل وهذا الغزو الغربي بطبيعته موجه نحو قناعات الانسان وثوابته المبدئية بغية زعزعتها وزرع بذور الشك في ذاتها, ومن ثم العمل على ازاحتها واحلال نموذج غربي امريكي بدل عنها, مستعينة بما تتملكه من امكانيات اقتصادية وتكنولوجية متطورة, ومؤسسات متخصصة في مجال مخاطبة الرأي العام, يتولى ادارتها علماء اكفاء في مجال اختصاصاتهم. وهنا تتعدد وسائل الغزو الثقافي الاجنبي بتعدد اهدافه فهو يهدف الى التأثير في ثقافة المجتمع العربي وسلوكه وقيمه ومعتقداته مسخرا بذلك جميع الطرق والسبل للوصل الى اهدافه وغاياته ومن ثم يأتي تطور العلوم وتكنولوجيا الاتصال ليضفي بعدا اخر له. فتتحول وسائله من الفرد عبر البعثات التبشيرية والبعثات الدراسية والاستكشافية الى الاتصال عبر وسائل الاعلام العصرية, وتبرز لنا اهمية وسائل الاعلام الحديثة ومن بينها التلفزيوين من كونها اسلحة العصر الاكثر تأثيرا في زمن السلم والحرب على المجتمعات الانسانية لاسيما مجتمعات العالم الثالث. ويدخل ضمن نطاق الغزو الثقافي اغلب مصادر الثقافة الغربية من مطبوعات وافلام مختلفة, وبرامج مستوردة او مهداة وتحدث هذه العناصر اثرها البالغ في الجماهير التي تتعرض لها, بمعدل ثلاث ساعات يوميا في المتوسط وهي مدة كافية لصياغة تفكير الفرد وفرض الهيمنة عليه لان مايقارب 70% من الصورة التي يبنيها الانسان لعالمه الخاص يستمده من وسائل الاتصال الجماهيري ومن الكتب المتنوعة الاخرى التي يطالعها. الارتقاء للمنافسة ونظرا لتلك الاهمية البالغة لوسائل الاتصال الجماهيري نلاحظ بان الدول الغربية, ولاسيما الولايات المتحدة الامريكية قد استغلت التكنولوجيا استغلالا لامثيل له, من اجل تنفيذ اغراضها واهدافها السوقية في غزو دول العالم الثالث, ومنه الوطن العربي اقتصاديا وثقافيا وسياسيا, والتي مازالت تمارسه بتفنن ودراية تامة بالصنعة الاعلامية. ومع كل ما تقدم نجد هنالك آراء وافكارا, قد انطلقت من رجال الفكر وخبراء الاعلام العرب بشأن كيفية مواجهة الغزو الثقافي الاجنبي, لاسيما البث المباشر عبر الاقمار الصناعية للمنطقة العربية, الذي سيعمق التبعية الثقافية والاعلامية ويزرع تقاليد وعادات تتعارض مع البناء الاجتماعي والثقافي للمجتمع العربي. ومن ثم لابد من صنعة اعلامية وفنية ترتقي الى مستوى المنافسة المشروعة مع البضاعة الامريكية والغربية الجاهزة, بل وضرورة التفوق عليها ان امكن ذلك فضلا عن كونها تستجيب لمتطلبات الحياة العصرية للمجتمع, وتتوفر فيها عناصر الاثارة والتشويق ومناقشة مشكلات العصر الملحة بروح متفتحة وواقعية تامة دون تزويق لكي تحقق الهدف المطلوب في النهاية وهو شد المواطن اليها, ومن ثم العمل على حمايته وحماية هويته الثقافية من الانصهار في بوتقة تلك الثقافة الغربية الطارئة عليه دون دراية تامة بما يجري حوله, وهذه مسؤولية كبيرة تقع على القيادات الاعلامية في كل دولة عربية اولا وهي ايضا مسؤولية شاقة ومهمة كبيرة تقع بالدرجة الاولى على عاتق كل مثقف عربي مؤمن بقضية امته, ومتحمس لحماية هويته الثقافية القومية من العناصر الدخلية عليها ثانيا. فضلا عن كونها قضية ومسؤولية مشتركة لجميع الانظمة العربية وقياداتها المسؤولة ومنظماتها المعنية بشؤون الثقافة والاعلام والتربية والتعليم على حد سواء * كلية الآداب ـ جامعة بغداد

Email