خط مباشر: شريعة الغاب ـ 2، بقلم أخمد عمرابي

ت + ت - الحجم الطبيعي

النقاط الابرز في دعوة الامين العام للأمم المتحدة كوفي عنان إلى التدخل الدولي (بقوة) وباسم مجلس الامن الدولي من أجل حماية اقليات تعاني من الاضطهاد المنظم هي الآتي : ان التدخل يكون من اجل حماية المدنيين الذين تهددهم تجاوزات الحكومات أو الحروبات الداخلية. ان اعتبارات السيادة الوطنية لدولة ما يجب الا تقف حائلا دون التدخل الدولي, (فالمفهوم الصارم والتقليدي للسيادة بات غير محقق لتطلعات الشعوب في التمتع بحرياتها الأساسية حاليا) . ان المصلحة الجماعية العالمية يجب ان تتفوق على المصلحة الوطنية العنيفة. ان من الواضح ان الامين العام للأمم المتحدة يعكس بهذا الموقف رؤية القوى الغربية, وعلى الاخص الولايات المتحدة, كطرف في معادلة الصراع الدولي بين البلدان الغنية القوية والبلدان الفقيرة الضعيفة. وعلى هذا المنوال فان دعوة كوفي عنان (لا تأتي عمليا بجديد سوى تقنين امر واقع فعلا بمعنى اضفاء شرعية دولية موثقة قانونيا على توجهات وخطط الغرب في حرب المصالح بينه وبين العالم الثالث, فليس من المقصود على الاطلاق ان يجيز مجلس الامن الدولي قرارا بشن تدخل مسلح ضد اية دولة في العالم الثالث اذا كان هذا التدخل يتعارض مع المصالح الغربية, اما بالنسبة إلى دول العالم الغربي نفسها فانه من رابع المستحيلات ان يشن مجلس الامن الدولي حملة للتدخل في احدى هذه الدول. ولضرب امثلة على هيئة تساؤلات: هل يمكن ان يجيز مجلس الامن عملية للتدخل العسكري ضد الهند لصالح اهل كشمير؟ هل يمكن ان يتدخل المجلس عسكريا ضد حكومة الولايات المتحدة بغرض حماية الاقلية الزنجية من ممارسات التمييز العنصري في مجالات العمل والتخديم؟ هل يعقل ان يتحدى المجلس حكومة بريطانيا فيتدخل عسكريا لوقف اضطهاد الاقلية الكاثوليكية على يد الاغلبية البروتستانتيه في ايرلندا الشمالية؟ وكأنما مثل هذا التصور الجامع في الخيال قد خطر ببال كوفي عنان, فقد اشار في خطابه إلى الجمعية العامة للامم المتحدة هذا الاسبوع إلى أن (المصلحة الجماعية العالمية يجب ان تتفوق على المصلحة الوطنية الضيقة) . والسؤال الذي يجب ان يطرح هنا هو: هل في اي عصر من عصور التاريخ البشري تبلور شيء اسمه (المصلحة الجماعية العالمية) , ان تاريخ البشر بايجاز هو مسلسل طويل بلا نهاية في صراع المصالح متناقضاتها, ولولا هذه الحقيقة العظمى لما تبلورت الصورة العالمية العامة التي نراها الان: شمال غنى قوى في مقابلة جنوب فقير ضعيف, والشمال يستخدم كل وسائل القوة المتاحة له اليوم وغدا من اجل جعل الفقراء الضعاف اكثر فقرا وضعفا. تأسيسا على هذا الواقع الدولي المرئي فان الدعوة التي اطلقها الامين العام للامم المتحدة دعوة مشبوهة تفتقر إلى الحد الادنى من الصدقية لانها تدعو إلى تقنين وتثبيت هذا الواقع المشين, وهي ايضا دعوة خطيرة لانها تطرح باسم المبادىء الاخلاقية والمثاليات في واقع دولي لا يعرف الا اسلوب ومنطق (القوي يأكل الضعيف) . لقد كان حريا بالامين العام للمنظمة الدولية ان يطالب بمخاطبة العوامل والاسباب الجذرية التي تدعو إلى حدوث تجاوزات حكومية وحروب في بلدان العالم الثالث, ولو فعل ذلك لاكتشف انها في الاساس ظلامات اقتصادية ضد العالم الغربي المتقدم.

Email