الدعم الخليجي للجزائر لاستعادة دورها عربيا ودوليا، بقلم: خالد عمر بن ققه

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ الحملة الانتخابية كان واضحاً ان عبدالعزيز بوتفليقة يراهن على الخليج, وهو اذ لم يعلن ذلك في حملته الا ان الاوساط الجزائرية خصوصا المقربة منه كانت تشير إلى ذلك بين الحين والاخر , وبدا واضحا لحظتها ان الخروج من الازمة في شقها الاقتصادي مرهون بفوز بوتفليقة, وقد اكدت المرحلة التالية ـ اي بعد نجاح بوتفليقة ـ ان ذاك الرهان اخذ في التجسد على المستوى الميداني, وقد بدأ سياسيا ليتحول إلى دعم اقتصادي بشكل استثمارات وتمويل لمشاريع, صحيح ان بعضها وقع قبل ذلك وتحديدا بعد انتخاب الرئيس اليمين زروال خصوصا من طرف قطر, لكن ازدادت الان تطورا وتوسعا. والواقع ان الزيارات المتكررة لكثير من المسؤولين الخليجيين يختلط فيها الموقف السياسي بالدعم الاقتصادي, حيث نلحظ مواقف دعم ومساندة لما يقوم به الرئيس بوتفليقة دون الاعلان عن الدعم الاقتصادي, الا ما جاء على لسان الجزائريين انفسهم, وان كان بعض المراقبين يتوقع اعلان الدول المساهمة في مجال الاستثمار بالجزائر عن مشاريعها, ذلك ان التجربة التاريخية افادت ـ ابان حرب الخليج الثانية ـ ان الدعم الذي لا يصل بشكل مباشر إلى المواطن لا يكون له تأثير على الرأي العام, وقد سبق لدول خليجية ان ساهمت في مشاريع جزائرية, واقرضت الحكومة الجزائرية, لكن ذلك لم يصل إلى المواطن, مما جعله رافضا لأي موقف مساندة للدول الخليجية في ازمتها خصوصا الكويت في صيف 1990 وبداية الحرب في يناير 1991. وليس بالضرورة ان يكون الدعم الخليجي هذه الايام بهدف ايجاد موقف تأييد من طرف الجزائريين, ذلك لان مشكلتهم الداخلية اقوى من اي بحث عن دعم هنا أو هناك, لكن الامر الاهم هو ان هناك ثقة خليجية واضحة في الرئيس بوتفليقة, والا بماذا تفسر الزيارات المتتالية لقادة خليجيين بشكل متتابع, فمنذ ايام قليلة فقط زار الجزائر امير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني, وولي عهد دولة البحرين والقائد العام لقوات دفاعها الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة, ومبعوث الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان, رئيس دولة الامارات العربية ناهيك عن عدد سابق من المسؤولين السعوديين منهم الامير سلطان بن عبدالعزيز وزير الدفاع السعودي, بالاضافة إلى مسؤولين كويتيين منهم المدير العام للصندوق الكويتي للتنمية العربية. ويذهب المراقبون إلى أن هذه الزيارات حملة تطمينات للرئيس الجزائري بوتفليقة على اساس انه سيحظى بالدعم الاقتصادي مما سيساعده على المضي باتجاه اعادة السلم والاستقرار والامن لبلاده, باعتبار ان توافر الاستقرار عامل مساعد لاستقطاب الرساميل العربية والاجنبية, غير ان بعض المسؤولين الجزائريين ينتظر ان تتبع تلك التطمينات والوعود باعمال مباشرة وميدانية على غرار ما قامت به قطر خلال السنتين الماضيتين والتي تعتبر سباقة في هذا المضمار, مثلما يعتبر الشيخ فيصل بن قاسم آل ثاني, سباقا في مجال الاستثمار حيث شرع منذ عهد الرئيس الجزائري السابق اليمين زروال في تنفيذ عدد من المشاريع, ذهبت الوكالة الجزائرية لترقية ومتابعة الاستثمار إلى تقدير كلفتها الاجمالية بستمائة مليون دولار. لاشك ان الدعم الخليجي للجزائر ليس جديدا, ومنذ سنوات وحتى قبل الازمة كان موجوداً ولو بدرجة اقل مقارنة بدعم دول الخليج إلى دول عربية اخرى, لكنه يرتبط الان بثقة دول الخليج في الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة, ورغم اهمية ذلك الا انه لا يمكن الرهان ميدانيا على مواقف الرئيس, لان الذي يعطل الاستثمارات الاجنبية في الجزائر هو البيروقراطية الخانقة على المستوى الاداري والمستوى السياسي, وهذا يعني ان الامر يتجاوز الموقف السياسي إلى ما هو اهم, حيث الممارسة الميدانية المباشرة والتي تساعد على بقاء الرساميل أو رحيلها, وقد يدفع وجود مثل هذه العراقيل إلى مزيد من نشاط المسؤولين الجزائريين, لا يتعلق باصدار القرارات أو تقنين القوانين وانما المتابعة المستمرة للتأكد من التنفيذ وتسهيل الاجراءات, وتوفير مناخ ملائم للاستثمار الذي تحتاج اليه البلاد في الوقت الراهن بقدر حاجتها إلى الامن والاستقرار. يلاحظ ان الدعم الخليجي للجزائر على مستوى الاستثمار ليس على نمط قروض صندوق النقد الدولي, أو تواجد المستثمرين الاجانب, وانما هناك اصرار عربي على اخراج الجزائر من ازمتها بكل الوسائل المتاحة, ولذلك يرفع بوتفليقة شعار المصالحة في الداخل والمصالحة في الخارج على المستوى العربي, ويجد سندا فيما يذهب اليه من خلال تلك المواقف الشجاعة التي اعلنها ـ عدة مرات ـ الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الامارات, والمتمثلة في المصالحة العربية, والتي حسب الرئيس بوتفليقة ليست مجرد دعوة عاطفية, وانما هي ايمان راسخ بضرورة اخراج العرب مما هم فيه, ولهذا يتوقع ان يتم تنشيط هذه الدعوة التي يعمل من اجلها في الوقت الراهن ايضا الرئيس المصري محمد حسني مبارك, وكثير من القادة العرب الاخرين, ويعتقد ان تكلل بالنجاح مقارنة بالدعوات السابقة. ويبدو المناخ السياسي العربي العام مواتيا لاتمام مصالحة عربية, بعد الازمة التي عاشتها الامة خلال التسع سنوات الماضية, وايضا بعد الاحساس العربي العام بمعاناة الشعب العراقي خصوصا موت الاطفال الذي بلغ نصف مليون طفل حسب تقارير منظمة (اليونيسيف) بسبب انعدام الدواء والعلاج ونقص الاغذية, ما يعني ان هناك ابادة مقصودة لجزء مهم من الامة العربية, ومحاولة انقاذ العراق هدف تسعى اليه عدة قيادات عربية بأساليب مختلفة ان الاوان لتجمع كلها وتنسق بهدف الخروج مما نحن فيه. على العموم فان المصالحة التي يجري الان التحضير لها في الجزائر ترتبط بالسياق العام للمصالحة على المستوى العربي, ولا ريب ان الدعم الذي تلقاه الجزائر الان من الدول الخليجية سينعكس بالضرورة على المشاريع العربية المشتركة, وعلى دعم المصالحة بين الدول العربية بالرغم من ان هناك جروحا لم تندمل بعد, لكن ايضا هناك محاولة لتجاوز الطريق المسدود إلى افق رحب, يتم فيه الحد الادنى من التعاون العربي, واذا تمكنت الجزائر من المصالحة مع ذاتها, فانها بذلك تنهي جانبا مهما من الازمات العربية المستفحلة هنا وهناك, ويبدو ان الامور تسير نحو ايجاد حل, وتجميع الجهود كلها بهدف اعادة النظر في كثير من القضايا المطروحة على صعيدي العلاقات العربية ـ العربية ومسعى الرئيس بوتفليقة الان هو استعادة دور الجزائر على الصعيدين العربي والدولي, بواسطة دعم دول الخليج وهذه الاخيرة لا تخفي دعمها, وقد آن الاوان ان يكون لها دور مهم في دول الاتحاد المغاربي تنسيقا وتعاونا أو حتى تأثيرا. * كاتب وصحفي جزائري مقيم في مصر

Email