الجزائر.. واحتمالات التغيير:بقلم- رياض أبوملحم

ت + ت - الحجم الطبيعي

ربما تكون نقطة الضعف الرئيسية في وضع الرئيس الجزائري الجديد عبدالعزيز بوتفليقة انه لا يملك قوة سياسية راسخة ومرجِّحة يستطيع الاعتماد عليها في تنفيذ أفكاره المتعلقة بمعالجة المعضلة الداخلية واعادة السلم والاستقرار إلى الجزائر على الرغم من ان أربعة أحزاب جزائرية مهمة أيدته ودعمته في انتخابات الرئاسة, بالاضافة إلى الاتحاد العام للعمال, وعلى الرغم من فوزه بنسبة عالية زادت على 73 في المائة من أصوات المقترعين فجبهة التحرير الوطني, التي كان بوتفليقة ينتمي إليها ويستمد منها شرعيته باعتباره أحد القادة البارزين للثورة الجزائرية, لم تعد في وضع يسمح لها بتأمين مثل هذه التغطية السياسية المؤثرة, لقد ترهلت الجبهة المذكورة وتقلصت شعبيتها وأصبحت من قوى الدرجة الثانية, وربما أقل, بعد ان ظلت لما يقرب من ست عشرة سنة الحزب الوحيد الحاكم في الجزائر, والقوة المهيمنة بصورة حاسمة كما ان السمعة البارزة التي كونها بوتفليقة من خلال قيادته الدبلوماسية الجزائرية خلال هذه الفترة الزمنية وحتى نهاية عام 1978, لم تكن بفضل قدراته الشخصية فحسب, وانما باعتباره الرجل الثاني في نظام حكم الرئيس الراحل هواري بومدين, حينما كانت الجزائر تمثل موقعا عربيا ودوليا ممتازا أهلها فيما بعد لقيادة حركة عدم الانحياز وبناء علاقات قوية مع معظم دول العالم. واذ يعود عبدالعزيز بوتفليقة إلى السلطة اليوم, بل إلى الموقع الأول فيها, بعد ابتعاده عشرين عاما عن الحياة السياسية, سيجد ان كل شيء تغير من حوله, فالجزائر القوية المتألقة, الغنية المتوحدة خلف قيادتها لم تعد كذلك, والأزمة الداخلية التي عصفت بها منذ عام 1992 وضعتها على شفير حرب أهلية مدمرة, وحصدت ما يزيد على سبعين ألفا من أبنائها, وحالت دون قيام حكم ديمقراطي مستقر فيها, ومن الطبيعي ان يكون وضعها الاقتصادي انعكاسا كاملا لوضعها السياسي والأمني ومثلها الوضع الاجتماعي الذي يزداد ترديا مع ارتفاع أرقام البطالة وتضخم مشاعر النقمة بين الشباب. كذلك فان النظام الاقليمي العربي الذي كان يشكل ظهيرا قويا للجزائر المتعافية أصبح, هو الآخر ضعيفا وهزيلا, وغير ذي فاعلية, إلى هذا فان الاتحاد السوفييتي, الذي ظل لسنوات طويلة أحد مصادر الدعم الاساسية للجزائر ولنظامها المعادي للغرب, سقط سقوطا سريعا ومريعا, أما حركة عدم الانحياز التي أعطت للجزائر ثقلا دوليا, ونفوذا خاصا, فقد فقدت الكثير من تماسكها ومبررات وجودها, وأصبحت دولها مجرد أرقام مبعثرة فوق الساحة الدولية. قد يكون أحد طموحات بو تفليقة الآن استعادة المكانة الدولية المتميزة للجزائر, وهو الذي لعب دورا بارزا في بناء هذه المكانة على مدى السنوات الست عشرة التي أمضاها وزيرا للخارجية, بيد انه سيظل عاجزا عن تحقيق هذا الهدف, أو حتى عن بذل محاولة جادة في هذا السبيل, من دون معالجة الأزمة الداخلية أولا, وتوفير الظروف التي تسمح باستعادة العافية, لا للدبلوماسية الجزائرية فقط, وانما لوحدة الشعب الجزائري قبل كل شيء, وهي الوحدة التي كانت دائما مصدر قوة الجزائر, وأحد أبرز أسباب انتصار ثورتها, فهل يستطيع بو تفليقة بلوغ هدفه, وكيف؟ سيكون على بوتفليقة أولا, وهو يخطو خطوته التمهيدية في اتجاه ممارسة السلطة الفعلية في البلاد, بعد ابتعاده الاختياري الطويل عنها, اثبات شرعية الدستورية, نظرا للملابسات التي رافقت الانتخابات الرئاسية واضفت على نتائجها شكوكا يختلف المراقبون في تقدير أهميتها, ومع انه يمكن تجاوز هذه المشكلة في نهاية الأمر, إلا انها ستترك آثارا سلبية على الوحدة الوطنية الجزائرية تضاف إلى النتائج المدمرة لصراع السنوات الماضية, وهو ما يجعل مهمة الرئيس الجزائري الجديد أكثر تعقيدا. لقد خاض عبدالعزيز بوتفليقة معركته الانتخابية تحت شعار (المصالحة الوطنية) كما حدد عددا من المبادئ التي سيرتكز إليها حكمه, ومن أبرز هذه المبادئ: تكريس دولة القانون, ترسيخ التعددية السياسية والحزبية. اطلاق الحريات في اطار قوانين الجمهورية واحترام الدستور, القضاء على الارهاب, وقف اراقة الدماء وتوسيع دائرة السلم الأهلي, دفع الشباب الجزائري للمشاركة في الحياة العامة في ظل الأمن والاستقرار..إلخ. ولا يبدو ان ثمة اختلافات جوهرية بين المبادئ التي طرحها بوتفليقة كخطوط عامة لسياسته المقبلة, وبين الأفكار التي عبر عنها المرشحون الآخرون, لذلك فان فتح باب الحوار مع القوى السياسية التي خاضت معركة الرئاسة من مواقع متعددة ينبغي ان يأتي في الدرجة الأولى, وذلك من خلال تغليب مصلحة الجزائر على المصالح الفئوية للأطراف المتنافسة, وغني عن القول انه كلما اتسعت دائرة الحوار بعد ذلك لتشمل قوى أخرى من أطراف الصراع الرئيسية كلما امكن تقليص مساحات التناقض التي باعدت بين الجزائريين خلال السنوات الفائتة, وكلما أمكن التخلص من سياسة (الاقصاء) التي ظلت السمة البارزة للنهج الرسمي الجزائري منذ انفجار الصراع الدموي في عام 1992. والحال, فان ظروف الانتخابات الرئاسية الأخيرة, على رغم ما يبدو فيها من افتعال وتغليب للمصالح الفردية على المصلحة العامة, تؤكد ان الرئيس الجزائري لا يستطيع وحده الاضطلاع بمهمة تحقيق المصالحة الوطنية, ومن دون التعاون مع الاطراف السياسية الأخرى, فهو فضلا عن افتقاده القاعدة السياسية العريضة التي تمكنه من ذلك , منفردا سيكون مضطرا للاعتماد كليا على المؤسسة العسكرية, برغم ما يشكله ذلك من اضعاف لمبدأ الحوار ولإمكانات اقامة التعددية السياسية والحزبية المطلوبة, ولاحتمالات نجاح مشروع المصالحة الوطنية الذي يشكل الهدف الرئيسي للعهد الجديد . لهذا فان نجاح عهد بوتفليقة لا يتحقق إلا من خلال قدرته على فتح باب الحوار بين القوى السياسية والحزبية المختلفة ما يوفر ظروفا صحية لاقامة تعددية سياسية وحزبية حقيقية, ومن المؤكد ان ليس ثمة فرصة لاحداث التغيير المطلوب الذي يخرج الجزائر من محنتها القائمة, إلا من خلال اضعاف تأثير المؤسسة العسكرية على القرار السياسي, وعبر الغاء أسلوب الاقصاء الذي يساهم في تعميق الازمة وادامتها. ومن دون احداث هذا التغيير الجذري ستكون مهمة عبدالعزيز بوتفليقة مهددة دائما بالفشل, مهما كانت نوايا الرجل طيبة وقدراته استثنائية ومتفوقة.

Email