سلام الشرق الاوسط بين الانصاف والاجحاف: بقلم: ياسر الفهد

ت + ت - الحجم الطبيعي

على الرغم من ان مايجري في يوغسلافيا السابقة وفي كوسوفو, يستأثر اليوم بجل اهتمام العالم, فان من المتوقع مع اقتراب موعد الانتخابات الاسرائيلية التي ستجرى في منتصف مايو المقبل ان تعود مسألة التسوية السلمية في الشرق الاوسط مرة ثانية الى واجهة الاحداث بعد ان افلح نتانياهو في تجميدها لفترة طويلة من الزمن وهناك في الجانب العربي الان فريقان احدهما يبارك فكرة الحل السلمي,. انطلاقا من الاعتقاد بأن عدم قدرة العرب على استعادة اراضيهم المحتلة بقوة السلاح يسوغ لهم التفاوض مع اسرائيل بغية استعادتها بالطرق الدبلوماسية اما الفريق الثاني فيرفض الفكرة من اساسها رفضا قاطعا مستندا الى الافتراض بأن العرب وان كانوا عاجزين حاليا عن استرجاع حقوقهم المهضومة فإنهم سيتمكنون في المستقبل من اخذ زمام المبادرة واستئصال شافة الكيان الصهيوني عندما تتغير موازين القوى الدولية ونحن لانؤيد او نعارض هذا الاتجاه او ذاك لان لكل منهما اسبابه ودوافعه وقناعاته وحججه المنطقية. ونعتقد ان الزمن وحده هو الذي سيكشف النقاب عما اذا كان الفريق الاول على حق ام الفريق الثاني ولكننا ربما نستطيع الاستنتاج مبدئيا بأن التسوية السياسية يمكن ان تحقق للعرب مكاسب آنية وفورية في المدى القصير الا انها ستضر بمصالحهم القومية والاستراتيجية على المدى البعيد. وعلى كل حال سواء قبلنا بالحل ام لم نقبل به فاننا لانستطيع ان نتجاهل ان هناك قوى عالمية يحسب لها حساب مثل امريكا واوروبا سوف تلقى بكل ثقلها في وقت ما لتمرير هذا الحل ولو على مدى فترة طويلة من الزمن لان مصالحها تتطلب ذلك ولان من بين اهداف النظام الدولي الجديد ايجاد حل لجميع المشكلات الاقليمية في العالم وربما تتدخل امريكا في مرحلة من مراحل المفاوضات تدخلا حاسما فتفرض حلا على الطرفين العربي والاسرائيلي كما فعلت في كامب ديفيد واذا افترضنا ان السلام سيخيم بالفعل في ربوع الشرق الاوسط في المستقبل المنظور وهو امر غير مؤكد نظرا لوجود عقبات هائلة تقف في سبيله فهل سيكون سلاما منصفا ام مجحفا؟ ان هذا يتوقف على عوامل عديدة منها ما اذا كان حزب العمل ام حزب الليكود ام احزاب الوسط هي التي ستفوز في الانتخابات المقبلة. ومنها ايضا مدى استعجال العرب للحل ولهاثهم وراءه مما سيجعل اسرائيل تزداد تعنتا وتصلبا. ولكن الاهم من ذلك مقدار سلامة الموقف التفاوضي العربي, وما اذا كانت القوى الدولية ستتجه نحو تأييد حل قيمي واخلاقي عادل ام حل مصلحي ظالم لا يأخذ في الحسبان الا المصالح البعيدة للدول الكبرى ولاشك ان الجميع يشعرون ان المفاوضات العربية الاسرائيلية قد طال امدها الى حد غير متوقع ونعتقد ان هناك اربعة عوامل تؤدي الى وضع هذه المفاوضات بين الحين والاخر في طريق مسدود وهي: 1 ـ التراخي الامريكي وضعف الضغط الدولي. 2 ـ اهتراء الموقف العربي. 3 ـ العامل النفسي الذي يجعل من الضروري مرور زمن طويل حتى يوطن العرب انفسهم على سلام لايستسيغونه ولايطيقونه ولايستطيعون تمثله وهضمه خلال وقت وقصير وحتى يعتاد الاسرائيليون على فكرة انسحاب يمقتونه ويضيقون ذرعا به ولايمكنهم التسليم به والتكيف معه, الا بمرور الزمن. 4 ــ محاولة كل طرف ان يحصل على اكبر قدر من المكاسب والشروط المواتية له وبالطبع فإن العرب محقون في موقفهم هذا لانهم اصحاب حق مهدور يتوقون الى استرجاعه اما اسرائيل فلا معنى لتعنتها ومحاولتها اغتراف اكبر قدر من الغنائم لانها في الاصل دولة معتدية ومانريد ان نوضحه هنا وهو الهدف الاصلي من المقال, هو ان محاولة اسرائيل اقتناص اكبر قدر من المنافع في المفاوضات هو في غير صالحها هي نفسها حتى لو تمكنت بالفعل من نيل هذه المنافع وهذه نقطة غاية في الاهمية ان اسرائيل كما هو معلوم تسعى الى تحقيق سلام دائم مع جيرانها كي تتمكن من حماية نفسها في الاجل البعيد من الطوفان البشري العربي المحيط بها وحتى لاتغرق في خضم هذا الطوفان فتذوب هويتها ويتلاشى كيانها ولكي تستطيع هذه تحقيق هدفها عليها ان ترضي العرب من الناحية النفسية والعاطفية فهذا هو الطريق الوحيد امامها كي تحصل على حدود امنة وبتعبير اخر اذا وافقت الدولة العبرية على الانسحاب من جميع ماتبقى من الاراضي المحتلة بعد حرب حزيران بما فيها القدس الشرقية واذا اعادت للشعب الفلسطيني الذي كابد التشرد وعانى من الحرمان لعشرات السنين حقوقه الكاملة في العودة والممتلكات والتعويض فإن هذا سيوفر لها سلاما افضل بكثير من السلام الذي ستحصل عليه فيما لو استطاعت ان تبقى تحت سيطرتها بعض قطع من الارض وان تغمط الفلسطينيين بعض حقوقهم. ومن جهة ثانية فان العالم اليوم لم يعد يسلم بفكرة الاستيلاء على الاراضي بالقوة ولاسيما اذا كان القصد منه الاستيطان وحتى الولايات المتحدة وانجلترا وفرنسا فانها في ممارستها العالمية لاتسعى الى احتلال الارض, بل الى بسط نفوذها السياسي وفرض هيمنتها الاقتصادية على الاخرين. ونضيف الى ماسبق ان ماتنعم به اسرائيل الان من قوة ظاهرية وتفوق في التخطيط والتكنولوجيا هو امر طارىء وعابر لان المعادلات الدولية الحالية لايمكن ان تبقى على حالها ولان مئات ملايين العرب لايعقل ان يبقوا غارقين في السبات وسادرين في الحذر, الى الابد بل لابد لهم ان تهزهم صدمة الوعي في يوم ما ويستفيقوا الى انفسهم وعندها سيعرفون الطريق الحقيقيي لاستعادة حقوقهم بشكل لايرضي اسرائيل, وما نريد تأكيده ومايجب ان يسمعه الاسرائيليون ويفهموه ويعوه وهم على عتبة انتخابات جديدة هو ان السلام الذي قد يحل في الشرق الاوسط اذا لم يكن عادلا ومنصفا فانه لن يكون سلاما دائما وهذا في غير مصلحتهم واذا افترضنا ان اسرائيل افلحت بفعل سياسات بعض زعمائها المتعنتين امثال نتانياهو وشارون وايتان, في ابقاء القدس تحت سيطرتها, ومنع عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم والتعويض عليهم وهذا مجرد افتراض لانعتقد انه سيتحول الى حقيقة فإن معنى ذلك ان العداء سيبقى مستمرا ومستعرا بينها وبين مئات ملايين المسلمين في شتى انحاء العالم بالاضافة الى العداء العربي والفلسطيني وحتى العالمي وهذا في غير صالحها. وبتعبير اخر اذا وضعنا في كفة ميزان حصول اسرائيل على القدس وبعض الاراضي المحتلة الاخرى, وفي الكفة الثانية من الميزان ماسيجره عليها هذا من حقد اسلامي وعربي وفلسطيني وعالمي دائم عليها فان الكفة الثانية هي التي سترجح في رأينا, اذا فما معنى التصلب التفاوضي الاسرائيلي؟ وما فائدته بالنسبة لاسرائيل نفسها؟ ان على الاسرائيليين والانتخابات تقرع ابوابهم ان يستفيقوا من احلامهم ويتخلوا عن اطماعهم غير الشرعية التي حتى لو تحققت فلن تحقق مصالحهم. ويحسن بهم ان يفهموا ويدركوا ان سياسات نتانياهو وامثاله من مرضى النفوس سواء منيت بالفشل او أحرزت النجاح فلن تجلب عليهم سوى الضرر وغضب العالم, وان التشدد والمماطلة في المفاوضات وفي تنفيذ مايتفق عليه ليس اكثر من مجرد قصر نظر سياسي واخلاقي, ان المتشددين الاسرائيليين يقولون دائما بأن هدفهم الحقيقي هو الامن وليس الارض ولكن تصرفاتهم التفاوضية تدل على عكس ذلك ومن الواضح ان الامن الحقيقي لاسرائيل لايكمن في حصولها على اكبر عدد من الكيلومترات المسروقة من الارض لان الصواريخ الحديثة كما اثبتت الاحداث, تستطيع ان تصل الي اي مكان وان تدك اي شارع وبيت ولكنه يكمن في نزع فتيل الحقد العربي عليها وعلى وجودها والذي سيظل يؤرقها وينغص عيشتها ليلا ونهارا. ويصعب ان نتصور نهاية لهذا الحقد الذي قد يتحول في يوم ما الى طوفان يغرق اسرائيل لان المتطرفين والمستوطنين الاسرائيليين الذين تستبد بهم النزعة العنصرية وعقدة التفوق الوهمي, وتعشش في نفوسهم احلام الهيمنة على اراضي الغير, مازالوا يشكلون قوة لايستهان بها, كما ثبت من خلال فوز نتانياهو في الانتخابات السابقة وماتمخض عن هذا الفوز من سياسات متعنتة وكريهة ومع ذلك لانستطيع ان ننكر ان هناك في الجانب المقابل قوى معتدلة بدأت تشكك في امكانية حصول اسرائيل على كل ماتريد, ولكن للاسف فإن هذه القوى نفسها لم تصل بعد في تفكيرها الى المستوى المطلوب منها عربيا واسلاميا وعالميا, فهي مازالت مثلا تتشبت بالقدس عاصمة لاسرائيل, وهو امر قد يقضي على جميع احتمالات الحل السلمي الشامل. واذا كان جميع الاسرائيليين يصرون على ان القدس تشكل خطا احمر بالنسبة للمفاوضات فإن على جميع العرب ان يصروا ايضا على ان القدس هي خط احمر بالنسبة للسلام. كاتب وباحث سوري

Email