والتغيير... ما أعمقه! بقلم - محمود السعدني

ت + ت - الحجم الطبيعي

جامعة الشارقة هي أجمل وأفخم وأحدث جامعة في العالم, انشقت عنها الصحراء الموحشة في جزء من دولة الامارات العربية المتحدة, الشكل العام الخارجي صورة طبق الاصل من جامعة القاهرة, المدخل والسور والقبة والساعة والاكشاك التي تعلوها قباب من الرخام والمتناثرة في ارجاء الحديقة . السبب ان الرجل الذي فكر وصمم وانشأ الجامعة هو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة أحد خريجي جامعة القاهرة, وفي كلية الزراعة على وجه التحديد, وزميل دفعة عادل امام وصلاح السعدني, ولم يكن الدكتور سلطان هو الوحيد الذي تخرج من جامعة القاهرة, لقد تخرج فيها الالوف من ابناء العالم العربي. والجميع حملوا مصر على رؤوسهم, ولكن بعضهم ضاق بحملها فرماها على الارض وسار في طريقه, وبعضهم حملها على رأسه ومشى بها بين الناس في الاسواق يفخر بها ويعلن في كل مناسبة كما يقول الشيخ سلطان دائما ولكل الناس: مصر فضلها لا ينكر ولحم اكتافي من خيرها! قول قد تكون فيه مبالغة ولكنه يصر عليه ويؤكده في كل مناسبة. نوع من الوفاء انعدم في هذا الزمان... زمن العولمة والجات والشرق اوسطية. قبل افتتاح الجامعة بساعات فاتحته في امر سيدة مصرية صادفتها مشكلة اثناء اقامتها في الشارقة فرد قائلا... يا محمود لن يضار مصري واحد في الشارقة وانا حي ارزق! انه المثل الحي على ان الدنيا لا تزال بخير, وعلى ان اصحاب المبادىء والقلوب الكبيرة لا يزال لهم حضور قوي, وعلى ان الحياة تستحق ان نحياها, وعلى ان ظهر الارض لا يزال خيراً لنا من بطنها! الجامعة نفسها تضم خمس كليات واماكن لسكن الطلبة وقاعة للاحتفالات هي الخالق الناطق لقاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة القاهرة ومكتبة ضخمة تضم عشرات الآلاف من الكتب وابوابها مفتوحة للطلبة وللجمهور ايضا. ولقد بدأت الجامعة عملها وعدد طلبتها 650 طالبا ولكنه ارتفع خلال عام واحد الى 1300 طالب وطالبة من بينهم 480 طالبا جاءوا من حوالي 30 دولة عربية وافريقية وآسيوية موزعين على خمس كليات هي: الشريعة والقانون, الآداب والعلوم, ادارة الاعمال, الهندسة, العلوم الصحية, اما الجهاز الاكاديمي فيضم 106 اعضاء في هيئة التدريس, الى جانب الاجهزة الادارية والفنية التي تعمل بانتظام وبأداء نوعي رفيع, ولم تتردد جامعة الشارقة في ربط نفسها بشبكة مترامية الاطراف مع عدد من الجامعات المحلية والدولية, من بينها جامعة اكستر في بريطانيا والجامعة الامريكية في بيروت وجامعة القاهرة وجامعات اخرى وارنو ببصري عبر شبه الجزيرة العربية فأجد خمس جامعات في السعودية وجامعة في الكويت وجامعة في البحرين وجامعة في قطر وخمس جامعات في دولة الامارات. جامعة الامارات وجامعة زايد والجامعة الامريكية في دبي والجامعة الامريكية في الشارقة ثم اخيرا جامعة الشارقة التي تم افتتاحها مؤخرا وهناك جامعة في سلطنة عمان وجامعة اخرى في صنعاء باليمن. وبالرغم من ذلك نقسو على انفسنا احيانا فنتهم العرب بأنهم بددوا ثروتهم واهدروها على موائد القمار وفي مجال الهلس, وهي بالتأكيد كلمة حق يراد بها باطل. صحيح ان هناك اموالا لها صورة اهدرت بدون وجه حق, ولكن هناك اموالا اخرى نفخت الروح في الصحراء الميتة فاذا بها تتحول الى مدن ومزارع ومجتمعات حديثة وجامعات ومدارس ومعاهد فنية ومسارح ومعارض على كل لون. وساهم البترول العربي في انشاء عدد من المدن من الرياض من نجد الى جدة على شاطىء البحر الاحمر مرورا بالمدينة المنورة ومكة المكرمة بالاضافة الى مدينة الكويت ومدينة البحرين ومدينة ابوظبي ومدينة دبي ثم مدينة الشارقة, وهذه المدن الثلاث استطيع القول وانا مرتاح الضمير بأنها من اجمل مدن العالم العربي, واخشى ان يتهمني البعض بالمبالغة اذا قلت... واكثرها اخضرارا, ما الذي نفخ الروح في هذه الارض التي كانت ميتة فأحياها بإذن ربي؟ انه البترول وعوائده وذلك بفضل رجال من طراز الشيخ زايد ونائبه الشيخ مكتوم بن راشد والشيخ الدكتور سلطان بن محمد حاكم الشارقة. ولقد تمنيت من اعماقي لو كان جميع العرب معي ليروا بأعينهم مئات الطلبة والطالبات في الاحتفال بافتتاح الجامعة حقا انها دنيا جديدة لا علاقة لها بالدنيا التي عشناها في الماضي القريب لقد كانت رحلتي الاولى الى دولة الامارات منذ ربع قرن بالتمام والكمال. ابوظبي لم يكن فيها شيء على الاطلاق سوى الحصن وبعض البيوت المتواضعة. ودبي كان بها لون من الوان الحياة, سوق يعلوها سقف تعرض بضائع شتى من جميع اركان الارض والشارقة مجرد قرية صغيرة تشبه القرى المصرية في صعيد مصر, والمكان الوحيد بالشارقة الذي ينبض بالحياة هو المعسكر الانجليزي في الصحراء. هكذا كان الحال في دولة الامارات منذ ربع قرن. اية معجزة حدثت على هذه الارض خلال ذلك الزمن القصير؟ اكاد اقول ان ابوظبي هي اجمل مدينة عربية على الاطلاق, ودبي هي انشط المراكز التجارية في العالم العربي, والشارقة أخف مدن العالم العربي دما, ولها فضل ضبط الايقاع في ساحل عمان, حيث يتفوق الجنس العربي واللسان العربي على ما عداه من جنسيات وألسنة, حيث انك لا تضل طريقك في الشارقة بفضل تواجد جنس العرب بكثافة في كل ركن في الشارقة. ومن المدن الثلاث قامت واكتملت منظومة الحياة الجديدة في دولة الامارات. واقول لكم بصراحة العبد لله لم يشعر بالامن والامان ولم يستقر في هدوء وراحة بال خلال رحلة الصياعة والضياع التي استمرت عشر سنوات في عهد السادات الا عندما عشت في دولة الامارات. قضيت حوالي سنتين على ارضها, 6 اشهر في ابوظبي وعام وبعض عام على ارض الشارقة. وهناك حيث انتهى بي المطاف شعرت بأنني عدت الى مصر والى اهلها. لم اشعر بغربة في اي وقت وانا في الامارات واخترت الشارقة لتكون نقطة الوثوب للعودة الى مصر عندما شاء رب العباد. ما أعمق ذكريات العبد لله في دولة الامارات وما اكثر اصدقائي هنا وآخر زيارة العبد لله كانت منذ اربع سنوات, ولكن ما أعمق التغيير الذي حدث هنا على ارض الدولة... خصوصا في الشارقة. تضاعفت الحياة فيها وازدادت نبضا, وتوجت مسيرتها بجامعة الشارقة, احدث رقعة ثقافية في الجسد العربي. واقول لعمنا الدكتور الشيخ سلطان حكمة تعلمناها زمان في مدرسة القرية, كلمة تقول من زرع حصد وانت ياشيخنا ستحصد الكثير بإذن ربي!

Email