واقع ومستقبل العلاقات العامة في الوطن العربي:بقلم- د. بسيوني حمادة

ت + ت - الحجم الطبيعي

ليس هناك من مهنه أسيء فهمها مثل العلاقات العامة في الوطن العربي وبدلا من قيام العلاقات العامة بحل النزاعات وادارة الصراعات والقضايا وازالة سوء الفهم بين المنظمات والمؤسسات بكافة اشكالها وجماهيرها وقعت هي ضحية الصراعات وسوء الفهم الادارات المختلفة داخل المنظمات من جانب وبين المنظمات وجماهيرها من جانب آخر . ان أية رؤية متأنية لواقع العلاقات العامة في الوطن العربي قد تصل الى النتائج الآتية: 1 ــ تحتل العلاقات العامة موقعا اداريا لا يتناسب مع مكانة المهنة وما تستحقه من تقدير. 2 ــ احيانا تجدها موكلة الى مكتب أو سكرتير رئيس مجلس الادارة أو المدير العام. 3 ــ والأكثر سوءا الا تجد لها مسمى أو مكانا أو إدارة محددة في المنظمة ككل. واقع الامر أن اشكالية الموقع الاداري للعلاقات العامة ليست إلا نتيجة منطقية لسوء التعامل مع مفهوم العلاقات العامة ذاته. فالعلاقات العامة تعبر عن اشياء مختلفة لدى اناس مختلفين في منظمات وهيئات مختلفة وإليك عزيزي القارىء نتائج هذا الالتباس من واقع ممارسة العلاقات العامة سواء في دولة الامارات أو في العالم العربي كله تقريبا: 1 ــ العلاقات العامة في معظم المنظمات تقع في نطاق التسهيلات والاستقبال والبروتوكولات واعمال الاستضافة وما شابه. 2 ــ وفي احيان كثيرة يتم الخلط بين العلاقات العامة والنشر الصحفي أو الدعاية أو الاعلام أو الاعلان أو اقامة مؤتمر صحفي. 3 ــ وقد تفهم العلاقات العامة في كثير من البلدان العربية بانها تلك الكلمات المعسولة أو الابتسامات العريضة التي يوزعها بعض الممارسين هنا أو هناك أو ربما بعض المكالمات التليفونية أو كروت المعايدة التي ترتبط بمناسبات معينة لا تخرج عنها. 4 ــ وربما كانت أكثر مظاهر سوء فهم العلاقات العامة تلك التي تجعل من المهنة مجرد وظيفة لتقديم شخص معين عادة ما يكون الشخص المحوري في المنظمة للمجتمع وفي الغالب الاعم لمن هم أعلى منه درجة في المجتمع من خلال وسائل الاعلام على حساب تقديم المنظمة ذاتها. والتساؤل لماذا اسيء فهم مهنة العلاقات العامة بالذات؟ الواقع ان تميز مجال عمل العلاقات العامة أحد الاسباب الجوهرية لاساءة فهمها فهي: أولاً: لا تعمل في مجال المحسوسات ولكنها تتعامل مع اشياء معنوية غير ملموسة هي الاتجاهات والآراء والصور الذهنية. ثانياً: لا تحقق نتائجها على المدى القصير ولكنها تحتاج الى برامج طويلة الاجل قبل ان تجني لها ثمارا. وهي ثالثا تتعامل مع جماهير متنوعة في داخل المنظمة وخارجها, فهي على النقيض من مهنة الاعلان مثلا التي تتعامل مع جماهير المستهلكين تحديدا أو إدارة التسويق التي تركز على الاسواق فقط, العلاقات العامة بخلاف ذلك لا تتعامل مع المستهلكين بقدر ما تتعامل مع الرأي العام والمجتمع المحلي ووسائل الاعلام والمنظمات الحكومية والمجتمع الدولي بأكمله. وهي رابعا يصعب قياس نتائجها بخلاف معظم المهن التي تتعامل مع اشياء محددة ملموسة سهلة القياس. فادارة المبيعات أو التسويق أو المشتريات أو الانتاج لا تواجه نفس الصعوبات عند تقييم النتائج. ولكن الاشكاليات السابقة لا تعني أن المهنة غير ضرورية أو انها شكلية بقدر ما تعني انها ذات طابع خاص تحتاج الى معاملة خاصة. انعكاسات سوء الفهم والتدني الاداري: انعكس سوء فهم العلاقات العامة وانخفاض موقعها داخل الهيكل التنظيمي على عملية العلاقات العامة ككل: 1 ــ فمن النادر ان نجد ادارة علاقات عامة في الوطن العربي تجري بحوثا علمية ذات طابع كمي منتظم في العلاقات العامة ولكن البحوث في أحسن الاحوال لا تخرج عن عملية تجميع لمعلومات باسلوب تقليدي ينتهي بها الحال الى الارشيف أو لبعض التفسيرات الذاتية التي لا تؤخر ولا تقدم. 2 ــ يندر ان توجد خطط علمية لممارسة العلاقات العامة على المدى الطويل أو خطط طوارىء لإدارة الازمات. وكل ما هنالك لا يخرج عن اهداف واسعة فضفاضة غير قابلة للقياس تسعى في معظمها لخدمة اغراض اعلامية مؤقتة. 3 ــ نتيجة لغياب الخطط واستراتيجيات العمل يندر ان نجد هناك ميزانيات مستقلة ذات شأن لخدمة اغراض العلاقات العامة ولا ابالغ اذا قلت ان ميزانية العلاقات العامة في معظم ادارات العلاقات العامة هي للانفاق على العاملين فيها وبعض الحفلات ذات الطابع الاجتماعي. 4 ــ مطبوعات العلاقات العامة لا تعكس وجهة نظر الجماهير ولكنها تعبر عن وجهة نظر الادارة العليا ونتيجة لذلك نادرا ما تقرأ لدرجة انه أصبح من الكليات ان تجد من يقول تهكما على صحيفة معينة أو اذاعة ما انها أصبحت مثل نشرات العلاقات العامة. موطن الداء: يكمن داء العلاقات العامة في كونها بعيدة كل البعد عن دائرة صنع القرار في المنظمات ومؤسسات الاعمال. ذلك ان ممارستها لدور فاعل داخل المنظمة رهن بما اذا كانت داخل أو خارج دائرة صنع القرار على المستوى التنظيمي. ولما كانت ادارات العلاقات العامة في الوطن العربي تقريبا تقع في هامش الهامش للمنظمات ليس بامكانها ان تدافع عن وجودها اصلا فما بالك بقيامها بدورها نيابة عن المنظمة في مواجهة الجماهير أو نيابة عن الجماهير في مواجهة المنظمة, ان تهميش موقع ودور العلاقات العامة في حقيقته ليس نتيجة لاعتبارات تتعلق بالبيئة الداخلية للمنظمات بقدر ما هو تعبير عن وضعية معينة تسم البيئة الخارجية أو ان شئنا الدقة انعكاس لمتغيرات مجتمعية كلية تسم المجتمع العربي بأكمله, والفكرة ببساطة هي ان مكانة العلاقات العامة ودورها في أي مجتمع تنبع من مكانة ودور الرأي العام وقيمة الفرد ومكانته في المجتمع فوضعية العلاقات العامة ترتفع أو تنخفض أو تتلاشى بارتفاع أو انخفاض أو تلاشي اسهم الرأي العام في المجتمع. فمن المستحيل أن تتبوأ العلاقات العامة المكانة اللائقة بها في أي مجتمع اذا كان القرار يصنع في المنظمات المختلفة غير متأثر باهتمامات الرأي العام أو اذا افتقد الرأي العام القدرة على محاسبة المنظمات. فما هي طبيعة هذه المهنة المتميزة الجديرة بالاحترام والتقدير والتي نالت التقدير المناسب في الغرب ولا تزال بمنأى عنه في بلاد العرب والمسلمين بعامة؟ مع هذا السؤال لنا وقفة اخرى ان شاء الله. استاذ بقسم الاتصال الجماهيري جامعة الامارات

Email