مع الناس:بقلم-عبدالحميد أحمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

زفت الينا ادارة الارصاد بوزارة المواصلات مؤخرا ان مطلع مارس الحالي هو بداية الصيف عندنا, وان الشتاء انتهى, وان درجات الحرارة ستبدأ في الارتفاع المستمر لتصل الى المستوى الذي نعرف, أي الذي يشوي الجلد ويكوي العظم ويحرق البدن . غير ان الشتاء عملياً لم ينته لسبب بسيط هو أنه هذا العام تحديداً لم يبدأ على الاطلاق, فلا برد ولا شتاء ولا مطر ولا لباس صوفي ولا شماغ أحمر أو شال ولا حطب مشتعل ولا زنجبيل ولا زعتر, فصيفنا متصل والمكيفات لم تتوقف عن العمل في مكاتبنا وبيوتنا وسياراتنا بسبب الحر, ما يجعل مع هذه الحالة الصيفية المستمرة هيئات الكهرباء في اسعد حال, لأن فواتيرها الشهرية نار على نار. وهكذا فاننا من صيف الى صيف صرنا لا نرى الشتاء ولا نعيشه الا على محطات التلفزيون, حيث نشاهده على شكل أمطار كثيفة ورعود وثلوج في نصف الكرة الشمالي, ونراه في الناس الذين يرتدون الثياب الثقيلة ويتدثرون بالمعاطف الصوفية اتقاء البرد, فنعرف ان هناك فصلا في العام اسمه الشتاء, هو شقيق لفصل الصيف شبه المقيم عندنا. طبعا هناك فصلان آخران حفظناهما من أيام المدارس هما الربيع والخريف, ثم نسيناهما بعد ذلك لعدم الاستخدام, ولولا ان بعض لافتات المحلات والبقالات, كبقالة الربيع الدائم, وخياط الخريف, تذكرنا بهما, لكنا شطبنا الفصلين من حياتنا وذاكرتنا الى الأبد, فلا ربيع عندنا سوى ربيع بن ياقوت ومن في حكمه من الشعراء والظرفاء ولا خريف سوى خريف العمر. وزمان, أي عندما كنا صغاراً, كان يزورنا الشتاء فعليا لأكثر من شهرين كل عام, فنشعر معه بلذعة البرد ومتعة التجمع حول نار المساءات وبواكير الصباح, حيث رائحة حليب الماعز والقهوة والزنجبيل وبقية منعشات الشتاء, وحيث نتغطى ليلاً بما ثقل من لحاف ونرتدي صباحاً دشداشة فوق أخرى, في حال عدم توفر البلوفر الصوفي وخلافه, ثم تراجع الشتاء الى أقل من شهرين فشهر واحد فأسبوع في السنوات الأخيرة نستعرض فيه بعض ثيابنا الصوفية, لنصل اليوم الى اندثار هذا الفصل بالكامل, ولنبقى طوال العام أبيض في أبيض. مع ذلك فادارات الارصاد تصر على ان الشتاء انتهى وبدأ الصيف, اي انها تجزئ العام الى فصول حتى وهذه الفصول لا وجود لها في الطبيعة, باستثناء وجودها في الدفاتر والحسابات الفلكية لا اكثر, فلا نلومها لأنها تؤدي عملها على أكمل وجه, الذي منه ان تخطرنا ببدء فصل الصيف, مع ان الصيف الماضي وقبل الماضي لم ينته بعد, بدليل ان الواحد منا لا تغمض له عين في الليل من دون مكيف يطن فوق رأسه لكي يستطيع ان ينام من دون حر ورطوبة. ماذا نفعل اذا أراد أحدنا اذن ان يعيش الشتاء ولو لأيام معدودة كل عام؟ يستطيع هذا ان يرحل الى بلد تعرف الشتاء على أصوله, حيث البرد والعواصف ومتعة الدفء والاختباء والتسخين في اجازة لاسبوع مثلا, وهو يستطيع اكثر ان يرحل الى الاسكيمو فيأخذ منهم شتاء لعشر سنوات مقبلة, غير ان الخوف هو ان نصل كلنا الى مثل هذه القناعة, فمن بعد رحلات الصيف التي نعرف ونشد فيها الرحال الى الاطراف الأربعة من الأرض هرباً من الحر, نبدأ رحلات الشتاء هذه المرة, للتمتع بالبرد, فنكون كآل قريش لهم رحلة الشتاء والصيف.

Email