أبجديات:بقلم-عائشة ابراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

لاشيء في هذه الدنيا ــ منطقا وقانونا ـ يبرر لك الاعتداء على الآخرين حتى وان كان في هذا الاعتداء ــ كما قد يدعي البعض ــ حياة افضل لهم, وحتى وان كان هذا الاعتداء شكلا آخر لحماية اطراف اخرى يحتمل تهديدها . عندما جاء نابليون بونابرت الى مصر غازيا, يستعرض قوته, مخفيا وجه حضارته الارهابي البشع, بعدد من العلماء والمطابع والاوراق, فإن احدا ما من المعاصرين للحدث او المؤرخين له, لم يكن باستطاعته ان يقف محايدا ازاء الآثار المدمرة لـ (الحملة الفرنسية) على مصر, وحين قرر وزير الثقافة المصري فاروق حسني الاحتفال بذكرى مئوية الحملة, قامت الدنيا على رأسه, ولم تقعد, فنابليون هذا برغم ما انجزته حملته من اعمال جيدة ظل في نظر التاريخ والذاكرة الشعبية المصرية, غازيا معتديا لم يشفع له اي شيء. نابليون وكل قافلة المعتدين على امتداد التاريخ حتى قيام الساعة, لم ولن يرتسموا في الذاكرة ابطالا او محررين حتى وان ملأوا الفضاء توماهوك, او زرعوا البحار حاملات طائرات او حركوا الكون بالاقمار الصناعية. الطغيان لامنطق له, فكيف يمكن تبريره او التصالح معه؟ لقد ضاقت سجون بريطانيا وكل أوروبا يوما بحثالات السكارى والمجرمين وقطاع الطرق, وزاد عدد السكان عن معدلاته, وكان اطعام هؤلاء وايواؤهم, وتوفير فرص عمل لهم مرهقا في بدايات القرنين الخامس والسادس عشر, عندها وجدت نفسها أمام حل سحري واحد يتمثل في التخلص من هؤلاء, وذلك بتسليطهم على أمم أخرى, وقد زاد الأمر سوءا يومها وجود جماعات وتيارات دينية واشكالات عقائدية, مما يعني استعدادا ذهنيا موروثا لدى الغرب لتفريغ آثار أزماته واحتقاناته الداخلية في فضاءات الآخرين! وعليه, فقد ملأت أوروبا سفنها بهؤلاء قاذفة اياهم على شواطىء وضفاف بعيدة, خلاصا وتخففا, وكان ان اقتحم هؤلاء عوالم أخرى بدأت تتأسس على أيدي جماعات من القتلة والسجناء والاصوليين الدينيين في أمريكا واستراليا والذين سيشكلون مصير البشرية فيما بعد! التاريخ يشهد عليهم, ويشرح بشكل لا لبس فيه معارك ابادة السكان الأصليين لهذه القارات, هؤلاء الذين أصبحوا فيما بعد يعرفون بالامريكيين والاستراليين, لم يعرفوا كيف يتعاملون مع حضارات الشعوب الأخرى, لقد كانت ــ ومازالت ــ عقدة العمق الحضاري تعذبهم, ومازالوا ينظرون الى كل الشعوب ذات الامتداد الحضاري العريق نظرة أجدادهم الى حضارات المايا الآزتك والهنود الحمر. اليوم لا توجد حالة فصام بين ما يفعله حفدة هؤلاء في العراق وبين الافكار التي آمن بها أجدادهم, وعليها أسسوا دولة الرعب وترسانة الارهاب التي يخيفون بها العالم ويسقطونه في الجبن والتخاذل. فكل الذي يحدث خطاب تسلطي مؤسس على القوة والطغيان و(البلطجة) والقناعة الأكيدة بوهم (الحق الالهي) في تسيير نظام الكون لأجل مصلحة البؤساء والمعذبين في الأرض. من قال بأن ما يحدث في العراق هدفه انقاذ العراقيين من صدام, بحثا عن ليبرالية أجمل وديمقراطية يستحقها أبناء الرافدين؟ اذن فهل نمني النفس بضربة عسكرية ضد اسرائيل لانقاذ الفلسطينيين من آلة القمع الاسرائيلية, وهل يمني أهل الجنوب اللبناني أنفسهم بحالة مماثلة؟.. أية عدالة وأي منطق؟!

Email