أبجديات، بقلم: عائشة ابراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

في بيئة سياسية لا تنقصها الأهمية والحساسية, ومن رجل له من المكانة ما لا يخفى, جاءت كلمات ولي العهد السعودي الأمير عبدالله في قمة التعاون في أبوظبي قوية نافذة(ان عصر النفط والرفاه قد ولى...).. وكأنه بذلك يهز نظاما اقليميا بأكمله, بكل اناسه وتنظيماته وعلاقاته وانماط تحالفاته ومنظومات قيمه, كان كمن يعيد الطرق على الحديد الساخن ليتشكل تكوين جديد وقناعات أخرى . أبناؤنا في المدارس لا يعلمون بما يحدث حولهم, فمازالوا يلقنونهم أمجاد عصر الطفرة, ويستعرضون معهم جداول كان سعر برميل النفط فيها بــ (35 دولارا) ! وكانت القناعات السائدة اننا دول طفرة, وبأننا نقبض على العالم بأيدينا, إذ نملك النفط شريان حياته وسر بقائه. ولا أدري ان كانت المعلومات الجديدة قد وصلت الى طلابنا أم لا, فقد أعلنها الأمير عبدالله بشكل لا يحتمل المجاملة, كما أعلنها الباحثون والاكاديميون منذ سنوات. حبذا لو أضيفت لمناهج الاجتماعيات للسنوات المقبلة هذه العبارة التي اقترحها أحد الصحفيين العرب: (... وفي أواخر القرن العشرين بدأ عصر النفط بالأفول وذهبت الطفرة الى غير رجعة) . وفوجىء (المواطنون) في الخليج بأن سعر النفط أصبح أرخص من سعر الماء ومن زجاجات البيبسي كولا. وبينما اجتهد الغرب كي لا يقع في صدمة المفاجأة واستعد لها بالبحث الدائم عن البدائل الأرخص والأوفر, تأخر اعترافنا نحن بالحقيقة, وربما فاتنا وقت الاجتهاد, وما علينا سوى قبول النتائج. أزمة أسعار النفط ليست جديدة أبدا, وتصريح الأمير عبدالله تنبيه لوضع قائم تم تداوله بحثا واهتماما منذ زمن طويل, ولكن المشكلة عندنا اننا نسقط في التنظير, ونباعد بين صناعة البحث العلمي ونتائجه وبين صناعة القرار السياسي, ونظل نمعن في التباعد حتى نشارف الهاوية, ساعتها يأتي اعترافنا تماما كايمان الملك الفرعوني عندما أطبق عليه البحر هو وجنوده. يهودي كــ (هنري كيسنجر) .. مملوء بأحقاد تعود لسنوات التيه في صحراء سيناء, نظر الينا, والى نفطنا, وعرف بكل الخبث كم هو قاطع هذا النفط وكم هو قاتل, وأظنه عند الخيمة (101) من العام 1973 وفي صحراء سيناء تحديدا قالها في قلبه ثم أطلقها خارج الفضاء العربي: (لابد ان نجعل العرب يوما يشربون نفطهم) . وواضح انهم نجحوا, وها قد جاء اليوم الذي سيسكب على الأرض لرخصه وانتهاء صلاحيته كسلاح استراتيجي في معارك التنمية ومعارك البقاء. ربما لأنه لا وجود لمعارك من هذا القبيل من الأساس. سيظل النفط لسنوات مقبلة سلعة ذات ضرورة, ولن تفقد أهميتها اليوم أو غدا, ولكن بدا واضحا ان (الآخرين) في كل مكان يملكون البدائل التي يمكن الاتكاء عليها في حالة أفول نجم النفط بينما نحن قد جعلناه ماءنا وطعامنا وسريرنا وأماننا الذي يهتز تحت وطأة حقائق وضربات ليست ضعيفة أبدا. لقد أصبح مطلوبا وبحزم بعد هذه المواجهة العنيفة في قمة أبوظبي ان نشن حربا ضد التبذير والهدر المالي لــ (صناعة) انسان ما بعد عهد الطفرة.. المطلوب وبقوة البحث عن بدائل لأجيال قادمة قد يكون من صالحها ما يحدث الآن.

Email