تحديات أمام أوبك في عهد اليوسفي،بقلم: د. أحمد القديدي

ت + ت - الحجم الطبيعي

هنيئا للاوبك برئيسها الجديد وزير الطاقة الجزائري يوسف اليوسفي فنحن واثقون ان المنظمة ستشهد في عهده انطلاقة جديدة تساير هذه التحديات المتراكمة في الاقتصاد العالمي. وهنيئا ليوسف اليوسفي بهذه المسؤولية الجسيمة.. في أصعب منعرج تواجهه الطاقة حيث تدنت اسعار النفط الى أسوأ منحدر منذ اكتشافه ..و اننا نعتبر وصول اليوسفي الى رئاسة المنظمة حدثا فائق الاهمية لاسباب موضوعية واخرى ذاتية. ولنبدأ بالذاتية رغم انها أقل أهمية: فالأخ يوسف اليوسفي ربطتني به ــ وبكثير من اهل الثقافة والسياسة ــ صداقة شخصية حينما كان يقيم معنا بالدوحة المضيافة, وكثيرا ما تبادلنا اطراف الحديث الممتع المفيد حول وطنه الجزائر ووطننا جميعا المغرب العربي وعالمنا العربي المشترك وهموم الطاقة.. وانني أجد اليوم في مواقفه كرئيس لمنظمة الاوبك نفس المبادىء (البراغماتية) التي كان يدافع عنها حينما كنا نتحدث في جلساتنا بالدوحة وكان حينئذ يعيش بكل وجدانه وقفة تأمل ضرورية لكل مسؤول بعيدا عن القرار الخطير والمسؤوليات المباشرة, لكنه كان دائما مهموما بانتاج النفط واسعاره وضرورة التنسيق والتكامل بين الدول الاعضاء في أوبك وغير الاعضاء, منشغلا بتداخل القضايا السياسية والاستراتيجية والنقدية والاقتصادية في عالمنا المعاصر. متحمسا منذ سنوات لمسألة التخفيض في انتاج النفط بما يوازي 1.5 مليون برميل يوميا, وكان يقول لي بهدوئه المعهود.. ذلك الهدوء الذي لايكاد يخفي العاصفة والعاطفة: (اننا نحن المنتجون الذين ضخمنا المخزون الاحتياطي الاستراتيجي للبلدان المستهلكة بفائض انتاجنا دون الاحتياط لما عسى ان يكون الوضع عليه بعد سنوات حين يسمح ذلك المخزون بالتحكم في تحديد اسعار النفط, وتمكين الدول المستهلكة من اللعب على انقسامات الدول المنتجة وعدم اتفاقها) . وبالفعل هذا ما يحدث اليوم عام 1998. لقد كانت توقعات اليوسفي في محلها عام 1995. وهاهو يطالب الدول الاعضاء في اوبك وغير الاعضاء بأن يكون التخفيض فوريا وصادقا من اجل خير تلك الدول وخير العدالة العالمية في توزيع مردود طاقاتها على الجميع. وجدير بالذكر ان اليوسفي لم يصب بالاحباط عندما فشل اجتماع اوبك الاخير في فيينا يوم الجمعة الماضي وذلك بتأجيل اتخاذ (القرارات الحاسمة) الى شهر مارس المقبل.. اي في الواقع تفويت فرصة العام الحالي ومناسبة تعديل الاسعار في شهر يونيو المقبل. ولقائل ان يقول ان جهود المنظمة لم تؤدّ في اجتماعين سابقين الى نتيجة التخفيض وان الامر اصبح يدعو للتشاؤم من إنقاذ سوق النفط. وهو قول منطقي لكنه رأي لا يبرر الهزيمة والتردي امام قوى المستكرشين (اصحاب الكروش الكبيرة) من الماسكين بناصية القرار المالي في الشركات المتعددة الجنسيات والمضاربين بأسعار النفط في بورصات نيويورك ولندن وفرانكفورت, اولئك الذين تحدث عنهم بيتر مارتين ومارالد شومان في كتابهما الجديد القديم (فخ العولمة) ووضعاهما في موضع اللاعبين الرابحين في ملعب الاقتصاد العالمي. يرفعون عملات وحكومات ويسقطون عملات وحكومات, وهم جالسون في مكاتبهم المرفهة في الأدوار العليا من ناطحات السحاب التي يملكونها في نيويورك ولندن وباريس وطوكيو والتي تأوي شركاتهم للتأمين أو للاستثمار. اي في التالي هؤلاء الذين ارتفعوا فوق الدول وفوق قرارات الدول وفوق مصالح الدول العليا وفوق ماكان يسمى سيادة الدول. ليشكلوا فيما بينهم شبكة نفوذ وتأثير ظاهرة وخفية أين منها منظمة الامم المتحدة.. وحتى سلطة الولايات المتحدة (ولكل من يريد دخول هذا العالم المافيوزي (نسبة للمافيا) عليه ان يقرأ كتاب فخ العولمة المذكور آنفا من ص 110 الى 156) وبالطبع فان الصديق يوسف اليوسفي مطلع على كل دقائق هذه الغابة وأسرارها, وسبق ان تبادلنا في شأنها الحديث وهو مقتنع تمام الاقتناع بأن حلول المشاكل النفطية لاتكون إلا حلولا سياسية فالقرار سياسي مائة بالمائة, لان حصص الانتاج في المستقبل المنظور ومعها العلاقات القادمة بين الدول الاعضاء في اوبك والدول غير الاعضاء وكذلك عودة العراق الى المنظمة هي قرارات في آخر الامر ذات صبغة سياسية تحتاج الى تداول الرؤساء والملوك والامراء بشأنها واتخاذ الاجراءات في خطوطها الكبرى لكي ينفذها وزراء النفط مسنودين بمحافظي المصارف المركزية. وفي هذه النقطة الاساسية كان اليوسفي واضحا في الحديث الذي اجرته معه صحيفة الحياة الصادرة بلندن يوم السبت الماضي, وبعد ان قام بجولة في كل من الكويت وقطر والمملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة شملت اقتراح مرحلتين لخطة متكاملة لانقاذ اسعار النفط المتهاوية والتي بلغت ادنى مستوياتها منذ عشرين عاما, في الوقت الذي تشهد فيه اسعار المنتجات المصنعة في امريكا واوروبا واليابان ارتفاعا كبيرا وتدريجيا ومتواصلا. وهو ما أحدث خللا متصاعدا في موازين الدول المنتجة واستقرارا مريحا في موازين الدول المستهلكة.. والمنتجة للصناعات الثقيلة والخفيفة والتكنولوجية. ثم ان اليوسفي مدرك تمام الادراك بأن هذا الوضع الجائر اذا ما تواصل فسينتهي الى تفجير المنظمة من الداخل الى شرذمة اعضائها وانقسامهم واختيارهم للقرارات الانعزالية, وذلك ما يخطط له المستهلكون منذ ازمة عام 1973 ووضعوا له ربع قرن من الزمن كمخطط قابل للتنفيذ بل ان رجل قرار مثل هنري كيسنجر وزير خارجية الرئيس نيكسون السابق لم يخف خيوط ذلك المخطط وتحدث عنه بصراحة مدهشة في مذكراته الصادرة عام 1987 بعنوان (دبلوماسية) والسؤال هو هل تغيرت ملامح هذا المخطط؟ ام ان مقتضيات العولمة ــ بل الأمركة ــ تتطلب التخلص من منظمة اوبك في شكلها (النقابي) الراهن وتعويضها بدول تدخل فرادى وهزيلة في النظام الجديد: نظام العولمة والامركة, بلا حول ولاقوة ولا إرادة؟ استاذ بقسم الاعلام ــ جامعة قطر

Email