عبدالله أوجلان إرهابي أم مناضل؟بقلم-فايز سارة

ت + ت - الحجم الطبيعي

سيمر بعض الوقت, قبل أن تحسم الدولة الايطالية موقفها من قضية الزعيم الكردي عبدالله أوجلان الموقوف لديها, وتقرر فيما اذا كانت سوف تمنحه حق اللجوء السياسي استجابة لطلب تقدم به الى ايطاليا , أم سوف تقوم بتسليمه الى تركيا التي تطالب به لمحاكمته باعتباره أحد قادة الارهاب في تركيا. ولعله من المؤكد, أن قرار السلطات الايطالية بصدد أوجلان سوف يؤشر الى النظرة التي تنطلق منها ايطاليا حيال الرجل, حيث أن منحه حق اللجوء السياسي يوحي بأنها تعتبره في قائمة المناضلين, أو أنه على الاقل, لا يندرج في عداد الارهابيين, فيما سوف يؤشر اتخاذها قرارا بتسليمه الى تركيا باعتباره ارهابيا دون أدنى شك. غير أن الموقف الايطالي من قضية أوجلان, لن يكون معزولا عما يحيط به من تأثيرات وتدخلات متعددة متنوعة, وقد لا يقتصر الامر عليها فحسب, وانما سوف يمتد الى تفاعلاتها, وكلها معا ستكون ملحوظة وملموسة الاثر في القرار الايطالي الاخير, والذي لا شك انه سوف يظهر في غضون اسابيع مقبلة. واذا توقفنا عند المؤثرات على القرار الايطالي لامكن القول, أن فيها ثلاثة عوامل أساسية, أولها موقف القضاء الايطالي, والذي باشر في اجراء التحقيقات مع أوجلان بغرض الخلوص الى حيثيات تساعد القضاء في قراره, الامر الذي يعكس حقيقة قوة القضاء الايطالي, وامكانية تعامله النزيه مع القضية كلها, ولعل مما سوف يساعد في قرار ايجابي للقضاء في قضية أوجلان, أنه ليس للرجل ملف أمني في ايطاليا, لكن من الممكن ان يصل الى القضاء ملف أمني من تركيا أو من ألمانيا, وربما من الاثنين معا في محاولة للتأثير على قرار القضاء الإيطالي. والمؤثر الآخر على القرار الايطالي يتمثل في حملات الضغوط والمطالبة بعدم تسليم أوجلان, ورغم أن الابرز في عمليات الضغط تجسده تحركات الاكراد ومسيراتهم في ايطاليا, فلاشك ان أوساطا في الرأي العام الإيطالي من تعارض بقوة تسليم أوجلان, خاصة وأن تسليمه سوف يتم لتركيا التي تطبق حكم الاعدام, وهو أمر يعارضه القانون الايطالي. وفي المؤثرات أمر ثالث, وهو موقف الحكومة الايطالية, والتي أخذت الضغوط تتزايد عليها مع الاعلان عن توقيف أوجلان في روما, وقد تجاوزت تلك الضغوطات من جانب تركيا حد المطالبة بتسليم أوجلان, لتصل حد التهديد بفرض مقاطعة اقتصادية على البضائع والسلع الايطالية في الاسواق التركية طبقا لما أعلنته أوساط رجال أعمال أتراك, فيما اذا تم منح أوجلان حق اللجوء السياسي في ايطاليا, وهو بين أمور دفعت رئيس الحكومة الايطالية الى تأكيد, ان ايطاليا دولة ديمقراطية يحكمها القانون, وأنها لن تقبل الضغوط والابتزاز, وقد أضاف (سنحل هذه القضية بكرامة, وفي ضوء احترام القوانين والمبادىء) منوها الى ان ايطاليا تتعاطف مع المنفيين الاكراد. ان معظم التقديرات تشير الى أن الاحتمال الاكبر في القرار الايطالي هو الامتناع عن تسليم أوجلان الى تركيا, ومنحه حق اللجوء السياسي في ايطاليا, وهو أمر لا يمكن عزله عن موضوعين, أولهما ما ترافق مع بدء التحقيقات القضائية مع أوجلان في روما, والثاني بعض من سيرة الرجل السياسية. لقد أوضح أوجلان في بيان صدر باسمه, أنه مستعد للمساهمة في وقف الارهاب في تركيا, مضيفا ان المجزرة والابادة وقمع حرية الشعوب لا يمكن تبريرها بأي شكل من الاشكال, وانه يدين الارهاب بكل قواه منوها الى أن مشكلات المنطقة ــ ومنها المشكلة الكردية ــ لا يمكن حلها بالحرب, لكن بالوسائل المدنية والسياسية. وتنسجم على نحو عام أقوال أوجلان في روما مع توجهاته ومسلكه السياسي في السنوات الأخيرة من قيادته لحزب العمال الكردستاني فصيل المعارضة المسلحة للاكراد والذي يخوض قتالا شرسا ضد الجيش التركي في شرق وجنوب الاناضول منذ عام 1984. لقد أتخذ أوجلان قبل اعوام قراره اعلان هدنة مع الجيش التركي, ودعا الحكومة التركية الى حوار يخلص الى معالجة القضية الكردية في تركيا بالطرق السلمية, لكن الرد التركي الرسمي كان في اتجاه آخر, ذلك أن تركيا والقادة العسكريين على نحو خاص لا يعترفون بوجود قضية كردية أصلا, وهم يستكثرون على مواطنيهم من الاصول الكردية, تسمية (اكراد) فيقولون عنهم (أتراك الجبال) وهكذا توالى الرد التركي على دعوة أوجلان وحزبه بتصعيد العمل ضدهم, وكان ذلك في ثلاثة مستويات أولها تشديد القبضة العسكرية ــ الأمنية ضد النشاطات الكردية في عموم تركيا, وخصوصا في منطقة شرق وجنوب الاناضول, حيث تتمركز الاكثرية من اكراد تركيا, والذين يقال أن عددهم يزيد على اثنى عشر مليونا. والمستوى الثاني في التصعيد ضد أوجلان وحزبه هو ملاحقتهم عبر الحدود وفي منطقة شمال العراق خصوصا, حيث يتمتع الاكراد بحرية الحركة والنشاط, وفي هذا اتخذت السلطات العسكرية التركية نوعين من الاجراءات, الاول فيها كان القيام بحملات عسكرية متلاحقة في شمال العراق, وقد بلغت بعضها الحدود الايرانية بهدف تصفية اعضاء وانصار حزب العمال الكردستاني الذين يقودهم أوجلان, وكان الاجراء الثاني للسلطات التركية هو اقامة توافق بين زعيمي اكراد شمال العراق جلال الطالباني ومسعود البرزاني للدخول الى جانب الاتراك في الحرب ضد أوجلان وانصاره, وتم تجسيد هذا التوافق والتحالف في نشاط عسكري ــ أمني مشترك عدة مرات في شمال العراق. والمستوى الثالث للتصعيد التركي ضد أوجلان وانصاره هو ممارسة ضغط تركي على دول تتعاطف أو تؤيد, او تسمح بنشاط ما لزعيم الاكراد الاتراك أوجلان وتنظيمه, وكان في إطار ما سبق حملة التصعيد التركي ضد سوريا مؤخرا, والتي مالبثت أن أمتدت ضد روسيا عندما تبين أن اوجلان موجود في موسكو, الامر الذي دفع الاخيرة الى تسفيره وسط كلام عن تواطؤ رئيس الوزراء الروسي يفجيني بريماكوف صديق أوجلان القديم. ويمكن القول أن في هذا المستوى, تندرج تهديدات تركيا لكل من اليونان وقبرص لمنعها من ايواء عبدالله أوجلان, والى هذا المستوى تنتمي عمليات الضغط التركية الراهنة ضد ايطاليا, لتقوم الاخيرة بتسليم أوجلان, او على الاقل المبادرة الى ترحيله, لتأخذ تركيا فرصة أخرى للامساك به في حال قررت ايطالي عدم تسليمه. وسط هذه الظروف والمؤثرات تطرح قضية أوجلان نفسها على ايطاليا التي عليها أن تحدد ليس قرارها فقط, بل اصدار حكم ضمني أو معلن على شخص معظم حيثيات ملفه تتوالى من الخارج, وانشغل بها العالم عقودا, هو صاحب قضية سياسية لتقول فيما اذا كان أوجلان ارهابيا أو مناضلا!

Email