ديمقراطية للإسرائيليين فقط:بقلم- محمد خالد الازعر

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد مذكرة واي بلانتيشن, صار لدى المعنيين بالتطور الديمقراطي العربي مثلا آخر على الصلة العكسية بين تقدم التسوية وفق صيغتها الراهنة والحصار الديمقراطي . وكانت دعوى إقرار التسوية بهدف التحرر من ذريعة المواجهة مع اسرائيل كممر أو مبرر لإستمرار الأنماط السلطوية في الرحاب العربية, أحد أبرز مفردات خطاب قوى التطبيع العربي مع اسرائيل. اطال هؤلاء الاشادة بفضائل التسوية ــ وهي عندهم السلام ــ وكيف انها ستحمل على إحداث نقلة نوعية في الحياة السياسية العربية, علاوة على بركات العلاقات المقبلة مع اسرائيل على جهود التنمية والاستقرار الاقليمي وتراكم الاستثمارات المتبادلة وإحياء موات الارض العربية بمشروعات المياه والتعمير المشتركة... وبذلك, علق كثيرون أمالاً عريضة على مخرجات التسوية وما تحويه عبائتها من اخبار سارة للمواطن العربي المهضوم حقوقياً. وهم في تصديقهم لمزاعم مدرسة المطبعين, لم يدركوا ما للتطور الديمقراطي من محددات, قد لا يكون إقرار السلام مع إسرائيل بصيغته القائمة من بينها اصلاً. ولأن أحبال الكذب قصيرة على ما يقول المثل الشعبي, فقد ثبت بالتجربة تلو الاخرى, سخف الربط بين مخرجات تسوية غير عادلة وإمكانية إنتشال الحياة السياسية العربية من وهدة السلطوية... أكثر من ذلك مدعاة للتأمل, ثبوت وجود علاقة عكسية بين طرفي هذه المعادلة. لقد أُخضعت فرصة المطبعين للتحري العلمي, الذي استهجن نتائجه خطاب التطبيع حول آفاق التطور الديمقراطي العربي بالنظر الى التسوية المتفاعلة مع اسرائيل. واوضح امثلة هذا الاستهجان تبدو من مطالعة بعض مواد معاهدات واتفاقات التسوية الاسرائيلية العربية من كامب ديفيد الى واي بلانتيشن. تنص المادة الخامسة من معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية (فقرة 3) على انه (يعمل الطرفان لتشجيع التفاهم المتبادل, ويمتنع كل طرف عن الدعاية ضد الطرف الآخر..) ويأتي مثل هذا النص في المادة 11 من المعاهدة الاردنية الاسرائيلية ولكن بصيغة اكثر تشدداً: إمتناع القيام ببث الدعايات المعادية, القائمة على التعصب والتمييز, واتخاذ الاجراءات القانونية والادارية الممكنة, لمنع انتشار هذه الدعايات, وذلك من قبل الافراد والتنظيمات... وإلغاء الاشارات المعادية في التشريعات...) وحينما استشعر المتعاهدان ما يتضمنه هذا النص من اجحاف بحرية الكلمة والتعبير استدركا في فقرة لاحقة معتبرين انه (لاينبغي) ان تطبق الفقرة المذكورة بما يتعارض مع الحق في حرية التعبير المنصوص عليها في المواثيق الدولية للحقوق المدنية والسياسية...) ولكن كيف تتأتى هذه المعادلة؟... لم يجب أحد. وفي هذين المثلين, فسرت اسرائيل النصوص على انها تحجر اي رأي يتعارض مع سياستها, تاريخاً وسلوكاً وممارسات. وذهبت الى اعتبار كل تقييم لهذه السياسات ــ ودائماً ما يكون سلبياً بشكل طبيعي ــ هو تحريض ضد عملية السلام. ثم أوغلت اكثر حين راحت أدواتها السياسية والاعلامية تحث على استخدام سياسات قمعية ضد اصحاب هذه التقييمات والمواقف المبدئية واصفة إياهم بأعداء السلام. ولكن أين هذا التفسير الاسرائيلي, لعلاقة التسوية بالتطور الديمقراطي, من الذي جرى ويجري على صعيد وثائق التسوية الفلسطينية؟... تقديرنا, ان من أراد اختبار نوايا اسرائيل تجاه التطور الديمقراطي العربي, فليطالع كم النصوص المتغلغلة في أحشاء هذه الوثائق منذ اعلان المبادىء (سبتمبر 1993) الى اعلان واي (اكتوبر 1998) ففيها تبدو اسرائيل وحشاً ينبغي الفتك بكل من ينبس ببنت شفة ضدها. ويدخل تحت هذه الغاية كل دعاة الحقوق التاريخية الفلسطينية والمقاومة ووقف الاستيطان وبناة المجتمع المدني, افراداً كانوا ام تنظيمات. في المثل الفلسطيني, يظهر الوجه القبيح الصهيوني بكل قسماته... فمن اجل غاية غير ديمقراطية تستخدم اسرائيل وسيلة اكثر قذارة وإبتزازية. أما الغاية فهي شطر المجتمع الفلسطيني وتحريضه ضد بعضه البعض واستعماله لحماية احتلالها البغيض. وأما الوسيلة فهي رهن الارض الفلسطينية المحتلة ذاتها, وبيعها لأصحابها بالقطاعي مقابل سلامهم الاهلي وحلمهم التاريخي في الحياة الحرة. باعت اسرائيل وهم ديمقراطيتها الى الغرب, وصدقها نفر من العرب, وكثيراً ما وضعت المصادر الصهيونية ديمقراطيتها في مقابل صورة قاتمة للعالم العربي, وصار جماع الصورة هنا اسرائيل واحة الديمقراطية في صحراء الديكتاتورية العربية... وهي كسبت من ترويج هذه الصورة الكثير, اقوالا ودعماً وتعاطفاً من الغرب. ولذلك هل بوسع أحد ان يجيبنا عن ما الذي يدعوها لتشجيع التطور الديمقراطي العربي بالجوار؟ حقاً, لماذا تعطف اسرائيل على تحسين صورة العرب (الاشرار) في نظر العالم؟ وما الذي يبقى من تميزها المزعوم ديمقراطياً ان هي فعلت ذلك؟ لم تكن ضغوط اسرائيل في واي بلانتيشن ضد النزوع الفلسطيني الديمقراطي فقط, بل هي حاولت انتهاك الديمقراطية الامريكية وقوانينها ايضا. وذلك حين ساومت على توقيعها لمذكرة التفاهم باطلاق سراح الجاسوس (بولارد) ... وكانت فعلتها هذه قمة في الوقاحة. بأي وجه إذن, وعن أي ارضية, تنطلق دعوى الاقتداء بالديمقراطية الاسرائيلية, ديمقراطية الانتقاء, لليهود فقط؟. ليس من المتصور بعد تواتر النماذج والامثلة, ان تكون تسوية تعشش فيها مفاهيم السلام الاسرائيلية, مطية للنهوض الديمقراطي العربي. وعلى اصحاب الشأن, البحث عن مبررات اخرى لجدوى التطبيع مع اسرائيل, غير الفكرة التي ساقوها مطولاً حول جدوى هذا السلام للإفراج عن حقوق المواطن العربي وحرياته. كاتب وباحث فلسطيني ــ القاهرة*

Email