بالكمبيوتر..عام2000لن يأتي أبدا،بقلم:عادل حمودة

ت + ت - الحجم الطبيعي

نحن ننتظر عام2000وكأننا ننتظر سيمفونية عظيمة..النغمة فيها تنادي النغمة.. والهمسة تجذب الهمسة.. ورعشة الوتر تنادي شكوى الكلارينيت.. حتى يكتمل بناء السيمفونية وتنعقد حلقاتها وتغدو عالما كاملا بشموسه ومجراته واحلامه واختراعاته.. واحزانه . لكن هذه اللوحة الرومانسية الناعمة مهددة بالسواد والهباب.,. وتبخر الوانها المبهرة في الساعات الاولى من عام 2000. فهناك سيناريو من الطراز القاتم قد تكون انت بطله وقد يكون اي انسان اخر يعيش الساعات الاولى من القرن المقبل. ويحلم بنعم التكنولوجيا التي يبشرون بها من الان. في الثواني الاخيرة من منتصف اخر ليلة من عام 1999 انت جالس امام جهاز الكمبيوتر ينقطع التيار الكهربائي فجأة ستتصور ان السبب هو الحمل الزائد على الشبكة بسبب الاحتفالات المهووسة باستقبال قرن جديد.. ترفع سماعة التليفون لتبلغ عن انقطاع التيار تفاجأ بان التليفون توقف عن العمل ايضا تغادر شقتك لتلحق بأصدقائك الذين وعدتهم بمشاركة في السهر تجد المصعد معطلا, تنظر الى ساعتك الرقمية تصعق لان ارقامها اختفت وشاشتها اصبحت بيضاء, تدخل فراشك لتنام هربا من هذا الجنون حتى لايرتفع ضغط دمك. في الصباح تفاجأ بأن الاضراب عن العمل قد امتد الى جهاز (الميكروويف) وان الصحف لم تصدر وان جهاز السحب الآلي في البنك لايتعرف على بطاقتك الائتمانية وان مترو الانفاق لايأتي والطائرات لاتهبط.. وقوات الجيش تسيطر على الشوارع. ان هذا السيناريو واقعي تماما.. ليس نوعا من افلام الخيال العلمي.. سيحدث في اي مكان في العالم في نيويورك, موسكو, بكين, نيودلهي. سيدني. سنتياجو, جوهانسبرج, القاهرة سيحدث في كل شارع وحارة وبيت فيه كمبيوتر. في أول ثانية من عام 2000 ستتوقف اجهزة الكمبيوتر... ستصاب بالسكتة القلبية وستوقف معها كل الاجهزة التي تعتمد عليها مباشرة.. وكل الاجهزة التي نعتمد عليها بصورة غير مباشرة من خلال مايسمى بالانظمة المدمجة وهي دوائر الكترونية متناهية الصغر (ميكروتشيبس) للتحكم ومراقبة الاداء مثل محطات الكهرباء. البنوك, محطات المياه والصرف الصحي, اجهزة المستشفيات, اجهزة الحاسب الآلي , بطاقات الائتمان, محطات الغاز الطبيعي. التليفونات, نظم الانذار واطفاء الحريق, اجهزة التحكم في المصانع, نظم النقل والمواصلات, باختصار كل شيء تقريبا في الحياة اليومية وهي كارثة بكل المقاييس. وسبب المشكلة ان مبرمجي الكمبيوتر اكتفوا بأول رقمين من العام ليدلا عليه على شاشة الكمبيوتر من باب البخل والتوفير مثلا يبرمجون عام 1900 على انه (..) وعام 1997 على انه (97) وعام 1999 على انه (99) فقط.. الخ وهو اختصار شائع بين الناس, لكن عندما سيأتي عام 2000 سيكون اختصاره (00) وهو ماسيفهمه الكمبيوتر على انه عام 1900 اي عودة الى الوراء 100 سنة, فلن يدخل الكمبيوتر بسبب هذه المشكلة عام 2000 او سيخطىء في الحساب فلو كان هناك شخص عمره 105 سنوات سيعامله كطفل عمره 5 سنوات, ولو كانت هناك سلعة تنتهي صلاحيتها في عام 2002 سيفهم الكمبيوتر ان صلاحيتها انتهت منذ اكثر من 100 سنة, ومن ثم يأمر بادخال منتجها السجن.. ولو كانت برامج تشغيل الاجهزة التي تسيطر على الحياة ستفهم الـ (00) على انها عام 1900 وليس عام 2000 فانها لن تدخل عام 2000 وتتوقف عن العمل. وعلى المستوى الشخصي سيرفض البنك صرف ودائع مدخراتك لان الكمبيوتر سيفهم بسبب مشكلة الـ (00) ان تاريخ السحب يسبق تاريخ الايداع وسترفض التأمينات الاجتماعية صرف معاشك لانه طبقا للكمبيوتر انك في الوقت الذي وصلت فيه الى سن التقاعد وهو سن الستين انك في برامجه لم تولد بعد.. ولمزيد من الفهم نفترض ان مواطنا يستحق معاشه في 1/1/2000 لانه مولودفي 1/1/1940 لكن الكمبيوتر سيقرأ التاريخ ليس 1/1/2000 وانما 1/1/1900 اي ان هذا الشخص سيولد بعد 40 سنة من تاريخ استحقاقه المعاش. واخطر من المعاش وفوائد البنوك وقطع الكهرباء وتعطل المترو ان اجهزة ونظم الدفاع الجوي يمكن ان تخيل في دولة مثل كوبا فتطلق صواريخها على طائرات مدنية امريكية انهارت فيها اجهزة الملاحة التي تعتمد على الكمبيوتر فضلت طريقها الى سماء هافانا.. ويمكن ان يصيب هذا الخلل المحطات النووية.. وبوابات السدود.. واجهزة الرعاية المركزة.. ولعل هذا ماجعل الولايات المتحدة الامريكية توقف 30% من محطات الكهرباء التي تعمل بالطاقة النووية.. كما استبدلت بوابات السدود الالكترونية ببوابات ميكانيكية حتى لاتغرق في الطوفان. ان حجم الكارثة اكبر من حجم الوعي بها ففي العالم تدخل البرامج المدمجة او الميكروشيبس في 100 مليار شيء يؤثر علينا جميعا واصبح من الواجب التدخل الفوري لحل مشكلة الصفرين قبل سنة 2000 لتسير الدنيا الى الامام ولاتعود قرنا الى الوراء.. وتقدر تكلفة معالجة المشكلة بنحو 1.3 تريليون دولار بخلاف تريليون دولار اخرى تعويضات متوقع ان تحكم بها المحاكم نتيجة اهدار الحقوق وعدم الوفاء بالالتزامات وفي الولايات المتحدة الامريكية 180 محاميا شهيرا يستعدون للدخول في هذه القضايا التي ستكون بلا جدال فريدة من نوعها. وتقدر وزارة الدفاع الامريكية تكلفة تعديل بعض برامج حاسباتها الآلية بحوالي 8 دولارات لكل سطر ولكن المتوسط المقدر للشركات العادية لن يزيد على 1.5 دولار لكل سطر على ان المتوقع ان كل دولار لاينفق اليوم على المشكلة سيكلفنا 10 دولارات فيما بعد في سنة 2000. ان تكلفة عدم معالجة المشكلة اكبر من تكلفة معالجتها ليس فقط ماليا وانما في نواحي اخرى اهم واخطر ايضا مثل تأثر الحقوق والالتزامات المالية للافراد من قبل البنوك وشركات التأمين والتأمينات الاجتماعية والمؤسسات المالية الاخرى, وحدوث خلل في قدرة بعض المؤسسات الحكومية فيما يتعلق بتقديم الخدمات الاستراتيجية وانخفاض الانتاج والتصدير.. كذلك فان مؤسسات التقييم الدولية (مثل موديز واستانداروز بورز) اصدرت توجيهاتها بأنها سوف تقوم بسحب ماسبق ان منحته من شهادات (جدارة) في الائتمان والاقتصاد للحكومات اذا لم تبادر بايجاد حلول لمشكلة عام 2000 قبل نهاية عام 1998 فالعالم ليس امام ازمة تكنولوجية وانما امام ازمة تهدد الامن القومي. وهو ماجعل بريطانيا تقرر نزول الجيش الى الشوارع في الثلاثة ايام الاولى من عام 2000 على الاقل خوفا من الفوضى والانهيار الداخلي وهما متوقعان. ولخطورة المشكلة التي لم تنتبه اليها الدول المتقدمة الا في عام 1995 ــ اوكلت الولايات المتحدة الامريكية امر الاشراف على علاجها الى نائب الرئيس آل جور.. وهناك تقرير يومي لمتابعة الحل يمنح الهيئات والشركات والولايات المتحدة درجات مثل درجات الامتحان ممتاز.. وجيد.. وضعيف.. وتسعى الولايات المتحدة وهي اكثر دول العالم اهتماما بالمشكلة الى التوصل لعلاجها قبل نهاية عام 1998 على ان يكون عام 1999 للتجارب والاختبارات قبل الوصول الى عام 2000 لكن رغم الاهتمام الامريكي المبكر والمصحوب بالامكانيات المادية القوية والاشراف الرسمي على اعلى المستويات فإن الولايات المتحدة لاتزال متعثرة في تنفيذ برنامج حل المشكلة وهو ما يجعلنا نتساءل عن مصير الدول الاخرى التي لايعرف بعهضا المشكلة الا مؤخرا.. ولايملك معظمها امكانيات حلها سواء من ناحية المال.. او من ناحية الخبراء. ونحن في مصر نعرف المشكلة ولكننا لانعيها كاملة.. ولانزال لانعرف حجمها وتأثيرها علينا.. وحسب تقارير خبراء العالم ــ ومنهم جارتنر جروب ــ اننا متأخرون عن علاجها 12 شهرا وهي مدة لا يمكن الاستهانة بها لان كل يوم يمر يقربنا اسرع من الكارثة اما اسرائيل فهي متأخرة فقط ثلاثة شهور.. ورغم ذلك فالمشكلة تنال من الاهتمام العام ــ في الميديا والحكومة وقطاع الاعمال ــ مالا تناله مشكلة السلام مع الفلسطينيين. وقد تشكلت في مصر (لجنة) وزارية لمواجهة المشكلة في مايو 1998 يشرف عليها رئيس الوزراء ويرأسها وزير المواصلات ورغم تأخر تشكيل اللجنة فإنها نقلت المشكلة الى الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء الذي ارسل نماذج معينة الى المصالح الحكومية المختلفة.. لكن من الردود التي جاءت اتضح ان نسبة كبيرة من الذين اجابوا على مافي النماذج لايستوعبون المشكلة فكان ان اعدت نماذج اخرى ابسط وارسلت اليهم وهو ما اضاع الكثير من الوقت الثمين في فترة حرجة. ويقتصر عمل اللجنة على كمبيوترات وانظمة الحكومة اما القطاع الخاص فلا يزال غالبيته في غيبوبة لايعرف انه سيستيقظ في صباح اول يوم عام 2000 ليجد نفسه في الطوفان. واخشى ان تسيطر المفاهيم البيروقراطية على اللجنة الرسمية فيصبح كله تمام.. وكله تحت السيطرة خاصة وان الوعي بالمشكلة واستيعابها ليس كافيا كما ان تقديرات تكلفه علاجها لم تحدد بدقة حتى الان فآخر تقرير رفع لرئيس الوزراء ان التكلفة 226 مليون جنية ثم اتضح ان هذه التكلفة لعلاج المشكلة في 13 وزارة فقط ولاتشمل باقي الوزارات وبعض المرافق الحيوية.. ولايشمل الامن القومي والشرطة والقوات المسلحة والاجهزة التي تعتمد على البرامج المدمجة وهي الاهم والاخطر والاكثر تكلفة. وحسب تقديرات الخبراء فان مصر تحتاج الى 35720 شخصا فنيا يعملون بانتظام طوال المدة الباقية حتى بداية القرن المقبل وهي اقل من 14 شهرا لعلاج المشكلة وليس في مصر اكثر من 200 شخص من هذا الطراز فقط.. حسب ماقاله لي د.مصطفى كامل رئيس قسم هندسة القوى بهندسة القاهرة وواحد من الخبراء في هذا المجال الذين تستمع الحكومة اليهم.. وحسب تقديراته ايضا فان تكلفة هؤلاء الاشخاص لن تقل عن 100 مليون جنيه اما تكلفة حل الجزء الحرج من المشكلة فقد تصل الى ملياري جنية.. وقد تزيد في حالة استخدام خبرات اجنبية بكثافة. وفي وجهة نظره الشخصية يرى د.مصطفى كمال انه مادمنا لم نستوعب المشكلة.. ومادام الوقت يتربص بنا فإنه لامفر من ان توجه الحكومة جهودها الى اولويات عاجلة تبدأ بها علاج المشكلة حتى نتجنب الانهيار وهذه الاولويات هي: التأمينات الاجتماعية, الكهرباء والطاقة, الاتصالات, الامن القومي, النظام المصرفي, الجهاز الاعلامي, اجهزة الصحة العامة, انها حدود الضرورة الدنيا حتى تمر الكارثة بدون اضرار موجعة. ان هناك نقصا في الوعي والخبراء والامكانيات المادية, والوقت وتحديد الاولويات ومن ثم لابد من اعادة النظر في الاسلوب البيروقراطي الذي لايناسب حجم الكارثة كما ان على صحيفة (الاهرام) وهو ان تحدد كل يوم سبت ماتبقى على عام الفين.. ان تضيف ماتبقى من ايام على كارثة عام الفين. ويفتقر القطاع الخاص في مصر ــ حسب رأى خبير اخر في المشكلة هو د.معتصم القداح ـ الوعي بماهية النظم المدمجة التي تدير مصانعه والتي قد تتوقف بسبب هذه المشكلة وليس هناك تعاون بين شركات القطاع الخاص التي من المتوقع ان تتأثر بنفس الكيفية بالمشكلة يضاف الى ذلك تكاليف علاج المشكلة مما يفرض اقتراحا على الحكومة بخصم هذه التكاليف من ضرائب شركات القطاع الخاص التي تعالج المشكلة اذا كانت تدفع ضرائب فأي توقف شركة من هذه الشركات يدفع المجتمع كله ثمنها. وأحد الحلول العاجلة المقترحة هو العودة للاساليب الانسانية بعيدا عن الكمبيوتر ــ الذي افرطنا كثيرا في استعماله ــ مثل حسابات المرتبات واصدار الفواتير وغيرها مما يخفف من المشكلة خاصة وان استعمال الكمبيوتر لم يلغ تراكم الموظفين في المكاتب فيما يعرف بالبطالة المقنعة. كذلك فإنها فرصة لاعادة النظر في علاقتنا المشوهة بالتكنولوجيا وخاصة في عبارة التفاخر باننا نستعمل احدث ما في العصر من تكنولوجيا.. انني لست مجنونا حتى اطالب بمقاطعة التكنولوجيا ولكنني اطالب بترشيد استعمالها او استعمال تكنولوجيا تلائم ظروف البطالة ومستوى الوعي. وطبيعة العملية التعليمية فالصين الشعبية مثلا تجد ان ابرة الخياطة في ايدي ملايين النساء اللاتي يعملن في الاشغال اليدوية هي افضل من تكنولوجيا الماكينات التي تصنع بنفسها كل شيء تاركة البشر للحيرة والتسكع والقلق. لكن هذه مشكلة اخرى اما المشكلة العاجلة المباشرة التي لامفر من حشد القدرات والطاقات لعلاجها فهي مشكلة صفري عام الفين. ان صفرا واحدا هو بلا قيمة.. لكن صفرين هما كارثة ومصيبة وفوضى وانهيار لكل ماوصل اليه الانسان على ظهر هذا الكوكب من تقدم ورفاهية. هامش ــ 1 حتى افهم هذه المشكلة وأتجرأ على تناولها في مقال دخلت في مناقشة طويلة مع اثنين من الخبراء هما الدكتور مصطفى كمال والدكتور معتصم القداح. كذلك فأنني قرأت كتاب سامي شلبي (اخماد عاصفة القرن) الصادر عن شركة (شعاع) وملخص كتاب بيتر دي جاجر وريتشارد بيرجيون وعنوانه (كارثة الصفرين وموت نظم المعلومات عام 2000. هامش ــ2 لمزيد من المعلومات عن المشكلة على شبكة الانترنت اقترح: www.year2000.com

Email