حرية الرأي،بقلم:ابراهيم بو ملحة

ت + ت - الحجم الطبيعي

لسنا ضد حرية الرأي ولن نكون كذلك أبداً بل نحن من انصارها والمدافعين عنها بكل ما أوتينا من قوة لمدى يقيننا بأهميتها في عالمنا العربي وحاجتنا المصيرية إليها في كل ممارساتنا السياسية وغيرها وأنها صمام الامان في مجتمعاتنا ومبتغانا الذي نطمح اليه دائماً وأبداً .. ولا شك فإن قناة الجزيرة تقوم بخدمة إيجابية في هذا المضمار الهام اذ تفتح باباً مشرعاً من ابواب حرية الرأي لمعالجة كثير من الامور والقضايا السياسية والفكرية وغيرها بصراحة مباشرة غير معهودة لدى كثير من القنوات المحلية والفضائية الاخرى وذلك ما جعل المشاهد العربي يتعلق بهذه القناة ويتابع برامجها باستمرار واهتمام وشغف ولكن ما يمكن ان يؤخذ على هذه القناة هو اندفاعها في طرح بعض المسائل الحساسة ومعالجتها لصورة فيها شيء كبير من الجرأة والاستفزاز وبما يصدم أحيانا شعور المشاهد ووجدانه خاصة فيما يتعلق بثوابته العقائدية مما يكون ضررها أكثر من نفعها... كذاك المحاور الذي شكك في بعض آيات القرآن بحجة انه لا يتوافق مع تفسيرها... فمن غير المقبول والمعقول ان ينتهي وقت البرنامج في ساعة ونصف تتخللها الاخبار والاعلانات وتبقى المسائل المطروحة معلقة دون حسم او وصول الى نتيجة مرضية بشأنها... ولا شك أن مثل هذه الموضوعات تحتاج الى وقت أطول ربما لا تستوعبها حلقة أو اكثر خاصة فيما تتصل بالدين والعقيدة والقومية وغيرها من المسائل الهامة... وما صدمت به منذ أيام تقريباً حوار عن الاردن كان الحديث فيه صاخباً من المحاور الذي كان بالاستوديو في إلقائه كثيراً من التهم والالفاظ الجارحة بصورة تخرج عن أدنى مقتضيات اللياقة والمجاملة والحفاظ على الرباط القومي الوشيج الذي يربط الشعوب العربية ببعضها مما يسىئ الى الحوار ويجعل من حرية الرأي سبيلاً للفوضى والطعن والتجريح ومدعاة لردة فعل أقوى وأشد فليس بجميل أبداً ان يتهم محاور بلداً عربياً من منطلق نظرته هو بعمالته وخيانته صراحة وعلى شاشة التلفزيون ويطعن في قيادته بهذه الصورة التي شاهدتها وسمعتها... فذلك مالا يقبله المشاهد العربي فما بالك بمن وجه إليه اصبع الاتهام... يمكن لي ان اقول رأىي بكل صراحة ولكن في اطار من الموضوعية والمنطق والاتزان دون خروج عما تفرضه اصول اللياقة والمجاملة التي تربينا عليها... فالاسفاف في تجريح المواقف وتناول الاشخاص وتعييب القيادات لا يخدم قضايا الامة بقدر ما يسيئ الى علاقتها ويعطل مشروع تقاربها ومصالحتها مع بعضها... ونحن لا ندافع عن الاردن أو نبرئه من أخطائه ولكن ان يكون تاريخ الاردن كله سلبيات ومواقفه عمالة وطعن في شخص ملوكه فشيء فيه تجن وشطط واساءة وعدم حيدة في تناول الامور وتحليل المواقف... اتفقنا أو اختلفنا حول بعض مواقف الاردن لكن لا أحد يستطيع ان ينكر دوره في حرب 67 وما تكبده في هذه الحرب من خسائر واحتضانه للاجئين من الفلسطينيين منذ تلك النكبة المدمرة ووقوفه في حرب 73 المجيدة الى غير ذلك من المواقف الوطنية والقومية... لا ننكر مدى ما يتمتع به الملك حسين من خصائص اللين والتسامح مع مخاصميه ومعارضيه وما ينتهجه من سياسة هادئة حكيمة بين أفراد شعبه بعيدة عن الشدة والعنف مما غدا محبوباً بينهم. من يزور الاردن ويرى تطور البلد ونماءه يدرك مدى ما يقوم به الملك حسين ويقدمه لبلده وشعبه من جهده وفكره وعرقه ودمه... ومما يستغرب له المرء ما صرح به المحاور من ان القيادة الاردنية الهاشمية ليست اردنية فذاك ما يتناقض مع دعوى القومية التي تصهر الشعب العربي مع بعضه... فنحن أمة من دين ولحم ودم واحد فسيان ان يحكم الاردن هاشمي أو غيره طالما أنه أردني وقد ملكت عائلة محمد علي مصر فترة طويلة من الزمن حققت في تاريخها المعاصر قفزات حضارية مشهودة لا يزال التاريخ يتحدث عنها الى اليوم. فهذه عنصرية منبوذة وخطيرة على الكيان العربي تبين عن تعصب وقصر نظر وعدم تقدير للمسؤوليات القومية. فالعالم الغربي من حولنا تختلط فيه الاصول وهذه اسرائيل عدوتنا الرابضة على قلب امتنا تحوي في جلدها مختلف الجنسيات والاعراق والدماء وتصهرهم في بوتقة الديانة اليهودية ونحن ما زال يظهر فينا كهذا المحاور الذي يطلب التفريق بين ابناء الوطن الواحد حسب اصوله الجغرافية البعيدة. الا يكفي ان يولد انسان على ارض عربية ويعيش فيها آباؤه واجداده لاكثر من سبعين أو مائة عام ليعتبر منها وإليها ومن أين جاء أكثر الناس الى الاردن اليس بفعل الهجرات القادمة من اليمن والجزيرة وغيرها من البلدان. فجميع بلداننا العربية غالية علينا ونقدها يأتي من باب الحرص على تقوية الروابط العربية وخدمة القضايا القومية وتوحيد الصف امام الاخطار المحدقة دون ان يكون ذلك سبيلا الى التعييب والنيل والاساءة فذاك ما يدخل ضمن نطاق المحاذير التي تضر ولا تخدم. هذه في الحقيقة برامج اثارة وصخب اعلامي ودعوى حرية الرأي فيها دعم للفوضى... لان الحرية المتفلتة من عقال المسؤولية اساءة وذات نتائج عكسية فالحرية يجب ان تكون موزونة بمعايير وضوابط شتى فتنتهي حريتي حيث تبدأ حرية الآخرين والا اختلطت الأمور وتفاقمت المشاكل.

Email