الاسلاموفوبيا:بقلم- الدكتور محمد الرميحي

ت + ت - الحجم الطبيعي

حتى لا يصبح للاسلام في الغرب عنوان واحد هو بن لادن أو حركة طالبان, أو الارهاب الاعمى, فتكال له التهم جزافا, وحتى لايكون المسلمون جميعهم متهمين ــ على الاقل في الغرب ــ بأنهم اصحاب سوابق وممولون للتفجيرات التي تأخد المسالمين على غرة , وللعصابات الخارجة على أي قانون, وحتى لا يلقى القول على عواهنه في هذا الامر الجلل حتى يثبت العكس, فإن على جميع من يغار على الوجه الحضاري للاسلام ان يرفع صوته ضد المتعصبين ذوي الرأي الاوحد القائلين بتغيير العالم حسب هواهم وبالقوة, وان يردد اعتراضه هذا عاليا دون مواربة ودون ابطاء. السكوت عن ادانة مثل هذه العصابات المتفرقة تحت اي ظرف أو بمغبة اي غطاء هو في الحقيقة مساعدة في تشويه الاسلام السمح, وتسليم أعدائه ذريعة مقبولة وسهلة للتنديد به وبمن يعتقد برسالته, والرسالة الصحيحة هي الوقوف امام هذه الجماعات وقفة صحيحة وشجاعة ومن ثم تسمية الاشياء بأسمائها. هذه الجماعات ليس لها هدف غير تدمير المجتمعات الاسلامية والنعيق بعد ذلك على أطلالها, وهي تستفيد من قضيتين اساسيتين على الاقل, الاولى حالة الصراع مع الغرب, وهو صراع مصالح كان موجودا وسيظل مستمرا ــ وإن اختلفت اشكاله ــ فتظهر هذه الجماعات وكأنها تحمل سيف الحق وحدها ضد (التغريب) , وتدين بالضرورة كل من لا يلعب لعبتها عن طريق القنبلة والسكين, والقضية الثانية التي تستفيد منها هذه الجماعات هي العثور على عناصر من بيئة في الغالب جاهلة تصدق الاطروحات التي تقدمها هذه الفئات في الدين والدنيا وتستمرىء مقولاتها فتصبح جاهزة للاستقطاب والتجنيد. وحتى لا نظل في العموميات ندخل في التفاصيل, هناك فرق واضح بين الكفاح الوطني ضد قوى متسلطة تقوم به جماعة رافضة لهذا التسلط, وبين الارهاب بصرف النظر عن التسميات التي يأخذها, أو الاعلام التي يرفعها, فحالة مثل المقاومة اللبنانية في الجنوب وهي في الغالب تأخذ مسمى اسلاميا هي حالة شريفة ومحتضنة من كل الشرفاء ليس المسلمين أو العرب فقط ولكن كل من في العالم من محبي الخير, فهي أولا تناضل من اجل اجلاء محتل غاصب عن وطنها, وتلك وسيلة بكل المعايير الدولية والاخلاقية والقانونية مبررة, وهي ثانيا مغموسة في وسط شعبي واسع مؤيد لدعوتها, ورأي عام قابل بطرقها في الكفاح, وبالمقارنة فإن حركات مثل (المكتب الدولي للدفاع عن الشعب المصري) أو (هيئة النصيحة والإصلاح) أو (الحركة الاسلامية العالمية) أو هكذا مسميات, من بن لادن أو غيره توجه جل جهدها لأعمال التخريب في بعض اوطانها وهي اوطان اسلامية صح اسلامها وتجذر موقفها الانساني والتنموي الاقليمي والدولي, وأيضا هي حركات ــ ان صحت التسمية ــ معزولة عن الجماهير, غير اولئك الذين تغرر بهم من الصبية الذين لم يحصلوا من التعليم الديني والتثقيف العام الا النذر اليسير, ان حصلوا على بعضه فهو مجتزأ ومحدود. الفرق واضح بين الدعوات القائمة وبين الكفاح من أجل رفع الظلم, ولا يجوز لعاقل ان يخلط بين الامرين, فهذه الجماعات التي تدعي الكفاح ضد نظم في أوطانها وتتزيا بالاسلام هي في الواقع جماعات ضد التحضر وضد العصر, فالمجموعة التي اعتقلتها السلطات البريطانية اخيرا تثير العجب من حيث أطروحاتها ومن حيث لجوئها الى الغرب, فهي تدعي انها مضطهدة في بلدانها ومع ذلك فإن ادبياتها وما تدعو اليه اشد ظلاما من اية دعوة أو اية ممارسة سياسية على امتداد العالم الاسلامي الشاسع, وهي معادية حتى العظم لأية أشكال من ممارسة حقوق الانسان وتدعي ايضا ان لها موقفا من الغرب, وتعيش في احضانه طالبة اللجوء السياسي, وتتمتع بالمساحات الواسعة التي تتيحها الديمقراطيات الغربية من اجل شن الهجمات الاعلامية على الغرب نفسه, والهجمات الارهابية على الآخرين, وإن كانت الاولى متسامحا فيها حيث يتاح القول فإن الثانية هي عمليات اجرامية يعاقب عليها القانون. لا يوجد تناقض أكثر من ذلك في العمل والشعار لدى هذه الفئات الخارجة, وهي تقوم بما تقوم به ضد دول عربية وإسلامية منها مصر مثلا ومنها بعض دول الخليج وهي دول تتسع توجهات اداراتها السياسية للكثير من وجهات النظر الحوارية, في الوقت الذي لا تستطيع فيه جماعات مثلها ان تقوم بأي نشاط ضد الدكتاتوريات العاتية لأنها من نوعها في المضمون وان اختلف الشكل الظاهري. مجموعات الارهاب تلك هي دون وعي سياسي, وتلك طامة كبرى للشعوب, وهي ليست جديدة في التاريخ, فقد وجدت مجموعات ارهابية قريبة من عصابات القتل وقطاع الطرق على مر التاريخ الانساني, الجديد في الظاهرة التي نواجهها شيئان, الأول انها تتحدث باسم امة مجموعها يبلغ بليون نسمة في هذا العالم, وكثيرا ما يظهر علينا المتحدثون في تلفازات العالم بعد كل جريمة تقترف من هذه الجرائم النكراء ليتحدثوا باسم المسلمين, وجميعا دون استثناء يتحدثون دون تفويض, وهو تأكيد لكل ضعاف النفوس في العالم ومن يريد أو يرغب في الصيد في الماء العكر ليؤكد الفوبيا ــ أي الخوف المرضي ــ المنتشرة والتي تزداد اتساعا ضد هذا الدين ومعتنقيه من البشر الذين يكونون اليوم سبع سكان العالم, والثاني ان مثل هذا النشاط الارهابي العبثي يجد له من يناصره قولا ان لم يكن فعلا بين ظهرانينا, متناسيا ــ هذا البعض ــ ان القاعدة الشرعية تقول ان حكم الوسيلة من حكم الغاية, وهي قاعدة اخذت بها التشريعات العالمية لنبلها, فلا يجوز تحقيق ــ ان افترضنا جدلا ــ هدف صالح بوسيلة غير صالحة, فما بالك ان كان الهدف غير صالح. الارهاب كوسيلة من اجل اقناع الآخرين بالقوة لاتباع اتجاه سياسي أو نظام حياة بدأ يفقد ارضيته ومناصريه في اماكن كثيرة من العالم, فبالأمس القريب تخلى الجيش الجمهوري في ايرلندا الشمالية عن السلاح والارهاب من اجل حل سياسي, ليس بالضرورة هو الحل الذي كان يسعى اليه طوال ربع القرن الاخير من نشاطه, وبعده تخلت منظمة تحرير الباسك عن الارهاب الذي روع الاسبان لعدد من السنين في سبيل حل سياسي ليس بالضرورة ــ مرة اخرى ــ هو الحل الذي كانت تسعى اليه المنظمة, وهو استقلال اقليم الباسك في شمال اسبانيا عن اسبانيا الأم, وهما مثلان اردت ضربهما رغم ما يتمتعان به من مناصرة نسبية من ابناء جلدتهما, ولكنهما فشلا في تحقيق ما يصبوان اليه, لأن الوسيلة (الارهاب) خاسرة, ويحاصر الارهاب اليوم دوليا في يوغسلافيا السابقة, وهكذا فإن الارهاب ليس له عنوان ولا وراءه هدف غير ترويع الآمنين لفترة وإشباع تسلط مرضي للبعض في الزعامة والرئاسة الجوفاء, وهو ما نشهده اليوم اشد اشكاله سوءا. قضية الانتقام من الغرب او من الحكومات الوطنية, ان كان الانتقام بتفجير القنابل, هي قضية فاسدة وخاسرة, فقد قلت في البداية ان هناك صراعا بين مصالح مختلفة, وقد تتضافر هذه المصالح وتقترب أو تتباعد وتختلف, ولكن كل ذلك له ضوابط ليس من بينها الارهاب في هذا العصر المتشابك, فالحديث عن ضرب مصالح الغرب هو حديث ايديولوجي مضى زمانه ولم يعد يقنع الا السذج والمغرر بهم, لا لأن المصالح الدولية متشابكة فقط, بل ولأن مثل هذه التوجهات هي مضادة لمصالح الشعوب, واستقرار الاوطان. اتساع التعبير السلمي للاحتجاج اصبح واسعا في عالمنا اليوم, ومن ير ان هناك ظلامة وقعت على شعبه او جزء منه, فعليه اولا ان يثبت ان هذه الظلامة ليست خاصة به بل بشريحة واسعة من الناس, وعليه ثانيا ان يتبع الطرق المتاحة سلميا للتعبير عن مظلمته, اما الخارجون عن الشعب والفارضون انفسهم ولاة غير منتخبين على مصالحه ومعتقده فقد آن الآوان ان يقال لهم ــ مهما كان هذا القول صعبا ــ كفاكم استغلالا لهذا الدين وشريعته السمحاء. ولعل الرد العملي على الخلط بين مصالح الناس المرسلة وبين التعصب السياسي المستقوي باجتهاد ديني ملتبس الغايات والوسائل, يكمن ــ اي هذا الرد ـ فيما حصل في مكانين متباعدين اولهما ما تم اخيرا بين جمهورية ايران الاسلامية وحكومة بريطانيا, حيث قال وزير الخارجية الايراني ان بلاده لن تؤيد او تعاضد اي اجراء ضد الكاتب البريطاني سلمان رشدي الذي كتب رواية آيات شيطانية, بعد ان اعلن نفس التوجه رئيس الجمهورية الايرانية في الامم المتحدة, ولقد سممت هذه الحادثة العلاقات الايرانية ــ البريطانية لفترة طويلة, وكتب الكثير من اهل الرأي منذ زمن في عالمنا العربي والاسلامي, ان كل ما تفعله المواقف المضادة لهذا الكاتب هي انها تعطيه شهرة اوسع ونطاقا افضل للترويج, فالرواية هي رواية ضعيفة غير قابلة للقراءة الا ربما للخاصة, واعظم من هذا وذاك ان ديننا الاسلامي تعرض للكثير من الضغوط ولم يستطع احد ان يطفىء نوره, فما بالك برواية غير قابلة للقراءة ان تهز من ثوابته شيئا, كان هذا هو الرأي, واراد البعض ان ينفخ في الموضع كي يصبح اكبر من حجمه الواقعي لغايات سياسية, ثم عاد الى حجمه الطبيعي, لأن هناك في ايران من حسن اسلامهم وحسنت نظرتهم للمصالح الوطنية فقرروا ان ذلك الامر المتهافت لا يضير الاسلام. اما المكان الثاني الذي جسد ردا عقليا حاسما على اللاعقلانية المتعصبة والمنحرفة في حركات التطرف فقد جاء من المملكة العربية السعودية, فبعد ان عجزت الدبلوماسية عن اقناع القائمين على حركة طالبان بالتفريق بين مصالح الناس والتفسير الضيق لما يرونه ابلغت الخارجية السعودية انها امرت (بسحب القائم بالأعمال السعودي في أفغانستان, والطلب من القائم بالاعمال الافغاني في الرياض ان يغادر المملكة) . في المكانين تبدت الشجاعة الأدبية والأخلاقية برد عملي للتفريق بين المصالح المرسلة للمسلمين والتعصب الممقوت. دون الوقوف امام المتشددين وقليلي التجربة والرؤية, لعلهم يرعوون في عالم شديد التعقيد, سيظل هناك في الغرب وفي أماكن اخرى من تتضخم لديهم الفوبيا الاسلامية, ومن يعتقد ان الاسلام هو عيون تتطاير منها الشرر, واناس قابعون للتآمر وزرع المتفجرات, معادون للبشر والانسانية والحضارة, وهي ليست الصورة التي يعرفها ويريدها جل المسلمين, ومن يرد ان يغير الصورة تلك سواء كان دولا او جماعات او افرادا فعليه في البداية ان يشجب كل هذا الارهاب الذي يقع باسم الاسلام والمسلمين بأية صورة يأتي وتحت أية ذريعة يختبىء.

Email