دفاع عن الزميل بيل كلينتون:بقلم- صلاح عيسى

ت + ت - الحجم الطبيعي

كان فتحي زعبل زميلاً لي في المدرسة الثانوية, وكان يعتقد أنه اكثر وسامة من(أنور وجدي)ولا يقل عنه جاذبية للفتيات.. لذلك كان يصفف شعره الأسود الغزير على طريقته .. ويعتني به عناية فائقة.. ومع ان درجاته في الانشاء لم تكن تزيد على ثلاثة من عشرة, فقد كان يعتقد ان اسلوبه في كتابة الرسائل العاطفية, اكثر تأثيراً على البنات من اسلوب (مصطفى لطفي المنفلوطي) الذي كان لفرط جهله, يسميه (الجدع ده اللي اسمه لطفي الاسيوطي) ! وذات يوم اسود, وقبل ان يتحرك طابور الصباح في طريقه نحو الفصول, استدعي فتحي زعبل عبر الاذاعة المدرسية, لكي يتقدم بالخطوة السريعة الى الشرفة التي تقف عليها هيئة التدريس وما كاد يأخذ مكانه في مواجهتنا جميعا, حتى تقدم ناظر المدرسة نحو الميكروفون, فألقى موعظة تربوية بليغة, بدأها بالحديث عن ان وظيفة المدرسة, لا تقتصر على تعلمنا العلم.. بل ــ كذلك ــ على اعادة تربيتنا, وتهذيب نفوسنا بالاخلاق الطيبة, التي لم نكتسبها من آبائنا وامهاتنا, لأنهم نشأوا مثلنا في بيئة واطية, وانه كان يظن ان باستطاعته ان يحولنا من متشردين الى مواطنين صالحين, ومن أولاد سفلة الى اولاد ناس طيبين, ولكن الدلائل تثبت له كل يوم ان الواطي يظل طوال عمره واطياً. اما دليل اليوم على ذلك, فهو ان ابن الكلب الماثل أمامنا, قد غازل احدى العاملات بالمستشفى المجاور عبر نافذة فصله, التي تطل على نافذة استراحة الممرضات, فحول الفصل بذلك, من منبر للعلم والاخلاق, الى منصة لتوجيه النظرات وتطيير القبلات بل ووصل به الفجور الى حد جعله يقذف ــ عبر النافذة ــ برسالة للفتاة, وقعت في يد رئيستها.. ووصلت الى مدير المستشفى الذي أحالها الى ادارة المدرسة, طالباً ان تقوم بدورها في تقويم سلوك الطلبة.. وعلى مسمع ومرأى من جميع طلبة ومدرسي وسعاة المدرسة, الذين احتشدوا في طابور الصباح وأطباء وممرضي ومرضى المستشفى, الذين تزاحموا على نوافذ الجناح المطل على الفناء, قرأ الناظر الخطاب, وهو يتهكم على ما يحفل به من أخطاء إملائية ونحوية وأسلوبية, فضحكنا من ركاكته العظيمة, وخاصة العبارة الأخيرة, التي ظللنا نتندر بها لسنوات, وفيها يقول (زعبل) للفتاة (وانت يا حبيبتي تذهبين لي صورتك.. وأنا أذهب لك صورتي.. وتذهبين لي بوصة.. وأنا أذهب لك بوصة) .. وبعد ان نبهه الناظر, الى ان (بوسة) بالسين لا بالصاد فتشه أمامنا, وأخرج من جيوبه مشطاً وبرطمانا من الفازلين ومرآة صغيرة, أمره بأن يحطمها جميعا, قبل ان يأمر ساعي مكتبه ــ وكان يعمل حلاقاً بعد الظهر ــ بأن يقص له شعره الكثيف على الزيرو. وفي اليوم التالي اختفى الزميل (فتحي زعبل) من المدرسة, ومن كل المدارس.. على هذه الصورة, بدا لي تقرير المحقق المستقل في قضية الزميل بيل كلينتون ومونيكا لوينسكي, أشبه بالعظة التربوية الأخلاقية التي القاها حضرة الناظر وحفلت بألفاظ سباب تزيد فحشاً عما فعله الزميل زعبل, كما حفل تقرير كينيث ستار بتفاصيل لا تقل بذاءة عن التهم المنسوبة لـ (كلينتون) , دفعت المعترضين على نشره الى تسميته (تقرير بورنو ستار) في اشارة الى انه ينتمي الى أفلام وروايات البورنو الإباحية! ما يدعو للعجب, وليس للاعجاب, هو ذلك المجهود الضخم الذي بذله بورنو ستار ومساعدوه, على امتداد ثمانية شهور, وبتكلفة وصلت الى 40 مليون دولار, لكي يتوصلوا الى هذه المعلومات (البورنو تاريخية) النادرة المثال, التي انتهت بوصف تفصيلي, وبالتصوير البطيء, والرسوم التوضيحية, للأعمال غير اللائقة, التي كانت تجري في الممر الفاصل بين المكتب البيضاوي وغرفة المكتبة, وامام الحمام الرئاسي وداخله, حيث كانت مونيكا (تذهب للرئيس بوصة) وحيث كان كلينتون (يذهب لها بوصه) , على حد التعبير البليغ للزميل العاطفي (فتحي زعبل) ! ولو كان المفتش كولومبو حيا, لمات غيظاً, لان المفتش بورنو ستار, قد نجح في حل الغاز هذه القضية المعقدة, واستطاع بفضل ذكائه ان يثبت التهمة ضد الزميل كلينتون المسكين, الذي كان يظن انه استطاع ان يغلق كل ملفاته الجنسية, بعد ان تطابقت شهادته مع شهادة (مونيكا) في قضية (باولا جونز) , ونفى الاثنان كل ما اثير عن وجود علاقة بينهما, وأكدا انهما لم يلتقيا على انفراد ابداً, واقسمت (مونيكا) انه لم يذهب لها بوصه, واقسم كلينتون أنها لم تذهب له ولا نصف بوصه, وبذلك سقطت ادعاءات (باولا جونز) بأن الرئيس قد تحرش بها جنسيا ايام كان حاكما لولاية (أركانصو) وبأنه لا يكف عن التحرش بالموظفات اللواتي يعملن به, ويغريهن بوظائف كبرى مقابل تبادل البوصات معه! لكن (بورنو ستار) اللعين, استطاع ان يوقع بين الحبيبين, وجمع أدلة وقرائن عديدة, تدل على ان (مونيكا) قد كذبت في شهادتها, كان من بينها سجلات البيت الأبيض التي تثبت أنها انفردت بالرئيس ثماني مرات على الأقل, وأنها نقلت الى البنتاجون, لأنها كانت تكثر من الطواف حول المكتب البيضاوي, من دون سبب, فضلاً عن 12 من اصدقائها وصديقاتها وأطبائها النفسيين, كانت تحدثهن ــ أولا بأول ــ عن تفاصيل علاقتها بالرئيس, وكانت اخطر هذه القرائن, هي المكالمات التليفونية التي سجلتها لها ــ دون علمها ــ زميلتها السابقة في البيت الأبيض, والحالية في البنتاجون ليندا تريب, والتي تعترف فيها بعضمة لسانها, بأنها لم تكن تلتقي بالرئيس إلا لكي تذهب له بوصه, ويذهب لها بوصه, أما وقد خيرت بين الاعتراف بالحقيقة, مع اعفائها من العقوبة, وبين الاتهام بالشهادة الزور مع دخولها السجن, فقد اضطرت (مونيكا العسل) ــ كما كان الرئيس يسميها حال وجودها امام الحمام الرئاسي وفي داخله ــ الى التخلي عن (بيل الحليوة) كما كانت تسميه في نفس المكان ــ وان تعترف بتلك التفاصيل التي احمر لها وجه الزميل كلينتون المسكين, حين واجهه بها بورنو ستار اللعين, في شهادته التي اذاعتها جميع تليفزيونات العالم هذا الاسبوع, كما احمر وجه الزميل فتحي زعبل, وهو يستمع في الاذاعة المدرسية, إلى كتاباته العاطفية, التي كان يتوهم انها اكثر رومانسية من كتابة الجدع ده اللي اسمه مصطفى الأسيوطي.. والعظة الأخلاقية التي يخرج بها الانسان, من قراءة تقرير (بورنو ستار) لا تهم أمثالنا ــ أنا وانت ــ من الرجال المستقيمين والازواج المخلصين, ولكنها تهم فقط هذا النوع من الرجال الذي لا يستفيد من النصائح الطبية التي تحذر من الطفاسة للطعام لأنها تجلب الامراض, ويبعد النصائح الأخلاقية التي تحذر من الطفاسة للنسوان لأنها تجلب الفضائح, وتقودهم الى ذلك الموقف التعس الذي يقفه اليوم (بيل الحليوة) , والذي أعطى لكل إنسان في هذا العالم, الحق في ان يتلصص على أدق خصوصيته, ويعرف كل التفاصيل التي يحرص كل منا على ان يخفيها حتى عن نفسه, وأن يتظاهر بأنه اكثر اخلاقاً منه, مع أنه قد يكون أسوأ.. وأعطى لخصومه الشخصيين الفرصة لتصفية حساباتهم معه, ولخصومه السياسيين الفرصة لكي يصعدوا على جثته, ولكي يخلصوا البيت الابيض, من الرئيس الذي يصفه اليمينيون, بأنه سوقي, يحشد حوله فريق من الهيبز والرافضين الذين كانوا يتظاهرون ــ في الستينات ــ ضد مشاركة أمريكا في حرب فيتنام.. والفضيلة الوحيدة في التقرير, هي انه ينصف كلينتون على الصعيد الشخصي والعاطفي, مع ان هذا الانصاف لم يكن قصد بورنو ستار ومع أنه لم يحل دون الفضيحة, وربما لا يحول دون توجيه تهمة خيانة الأمانة للرئيس, فيغادر البيت الابيض قبل انتهاء مدة رئاسته, كما غادر فتحي زعبل المدارس, قبل انتهاء فترة دراسته.. فقد اعترفت الاخت مونيكا لوينسكي انها هي التي بدأت بمحاصرة الرئيس بعينيها المتوحشتين, ثم بمغازلته صراحة حين انفردت به مصادفة, ولم تنكر انها ظلت تطارده, وتحوم حول مكتبه, وتذكره باسمها, وترسل له الهدايا والرسائل, ومع انه حين ينفرد بها امام الحمام اياه, كان يعجز عن مقاومة رغبته في ان يذهب لها بوصه, الا انه كان يرفض الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك, كما كان يهملها كثيراً ويتهرب منها, وفيما عدا لحظات قليلة, كان يندمج فيها معها, فقد كان لديه احساس كثيف بأن علاقته بها خطأ ينبغي ان يكف عنه, وانه هو الذي بادر بقطع العلاقة, واعتذر لها ــ في لقاء الوداع ــ بأنه منذ بلغ الأربعين, قرر ان يكف عن الطفاسة, وان يكتفي بزوجته.. وفضلاً عن (بيل الحليوة) فان التقرير ينصف كذلك, مونيكا العسل, التي تبدو عبر صفحاته, فتاة لا تخلو من طيش قادها لأن تعبر عن اعجابها بالرئيس, ودفعها لان تتبادل معه بوصه, متوهمة في البداية كما توهم الرئيس, انها سوف تكون بوصه واحدة تحتفظ بها في الاورتوجراف الذي تجمع فيه توقيعات وبوصات المشاهير لكنها مع تعدد البوصات التي وصلت الى 12 بوصة, طبقاً للاحصاء الذي اجراه البورنو ستار على الكمبيوتر, وقعت بالفعل في غرامه, ولعلها لم تصدق ان هذا الرجل الذي يحكم العالم, قد منحها هذا الشرف العظيم.. وكان تردد كلينتون في الاندفاع بعلاقته معها الى المدى الذي تريده وتعلله بأعباء الرئاسة للتهرب منها, هو السبب في عجزها عن الاحتفاظ بالسر, فقد شعرت بوحدة قاتلة, وفاض بها الوجد, واشتدت حاجتها الى من تشكو له هجر الحليوة لها, على الرغم من رسائل الحب, التي كانت تتركها في مكتب سكرتيرته, وقد استوحت احداها من فيلم (تيتانيك) ونشرت الثانية على صفحات بريد القراء بجريدة (الواشنطن بوست) ولما لم يستجب الحليوة القاسي, بدأت تثرثر, وتروي لصديقاتها واصدقائها وأمها وخالتها حكاية البوصات التي كانا يتبادلانها في المكان إياه, إلى أن وقعت بين براثن (ليندا تريب) التي كانت تروي لها التفاصيل على سبيل الفضفضة, وطلبا للمشورة العاطفية, فإذا بها تسجل لها أقوالها.. وشاء سوء حظها, ان تلتقي خالتها في احدى المناسبات الرسمية, بأحد مساعدي كلينتون, فحدثته عن رغبة (مونيكا) في ان تعود الى عملها بالبيت الابيض, والمحت الى انها تعرف شيئاً عما كان بينها وبين الرئيس فحسم ذلك تردده, وقرر ان يقطع علاقته نهائياً بهذه الفتاة, غير المستقرة نفسياً, والتي فاض بها الوجد, فعجزت عن صون لسانها, ولم تدرك, ان للثرثرة حدود, وأن نتائج اذاعة اسرار بوصات الرئيس, تختلف عن اذاعة اسرار بوصات فتحي زعبل..

Email