أبجديات: عائشة إبراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

من سمات الادارة في دول العالم الثالث ان عنصر الثبات في سياسات المؤسسات التي تقود عملية التنمية مفقود تماما. ومعروف ان التنمية عملية معقدة ومتشابكة لا تقوم بها مؤسسة بعينها , ولا ينفذها اشخاص ذوو قداسة معينة, هناك ادارة شاملة تنضوي تحتها كل مؤسسات المجتمع .. بجميع قطاعاته, توجههم وتشملهم سياسة واضحة الاهداف ومحددة المراحل وثابتة مهما اختلف الاشخاص أو تغيروا. الاشخاص لايدخلون ضمن سياسة التنمية من حيث كونهم ذوات مقدسة أو مستقلة او مناصب محددة, او مواقع انتمائية معينة, الاشخاص مجرد ادوات لتنفيذ سياسات التنمية. وعليه فلهم برامجهم والسياسة المحددة سلفا التي تنظمهم وتتابعهم وتسائلهم وتقيس اداءهم. سياسات التنمية بوسائلها التنفيذية خطيرة ومهمة لأنها تحدد مصير الأمة وكل الاجيال, وتمد اهتماماتها الى كل مناحي المجتمع بادئة بالاولويات: التعليم, الصحة, الاقتصاد, الغذاء.. الخ. وفي الصين ثلاثة مقدسات قومية لا تسمح الدولة بالتفريط فيها او التلاعب بها, ولذلك فهي تحت سلطة الدولة ورقابتها, تلك هي التعليم, الصحة, الغذاء. وعليه فالقطاع الخاص او المتاجرة وعيون السوق البشعة بعيدة تماما عن هذه المجالات الخطيرة, ولذلك فهي محمية ومحفوظة والنتائج واضحة جدا. ثلث سكان العالم يعيشون في الصين, فهل سمع احد منكم عن مجاعة هناك؟ وهل طلب من احد ان يتبرع للصينيين بأدوية أو أغذية نتيجة فيضان او كوارث مماثلة. وهل هناك خبراء ومستشارون؟ اجانب لاصلاح التعليم؟ في الوطن العربي 260 مليون انسان, يضج الفضاء وتجن الارض في كل لحظة بمآسيهم ومشاكلهم وتخلفهم الذي طال كل شيء, برغم الغنى, والمعادن والبترول والمضائق والتجارة.. الخ, ما الفرق بيننا وبين الصينيين؟! في امريكا ضجيج لا ينتهي نسمعه اليوم, وسمعناه بالامس, وسنسمعه في الغد, فضائح وجرائم ومظاهرات وعنف و... الخ, لكن الامور تسير بشكل طبيعي, برامج الفضاء مستمرة, الجامعات تقوم بدورها الطليعي, مراكز الابحاث تسابق الزمن, والانسان ينظم الحياة ويسيرها وفق قوانين لا تتغير, سواء ذهب نيكسون او انتهى الى الجحيم كلينتون, فالهيبة في نفوس الامريكان للقانون وليس للرئيس, للدستور وليس للاشخاص الذين يقومون عليه. في الوطن العربي نسير فوق مقولة: (كلما جاءت امة لعنت اختها) ! وترتبط مصائر الامم بمناصب الاشخاص, وكلما جاءت حكومة او قَدِم وزير او رئيس وزراء, ألقى بكل سياسات سلفه في سلة المهملات! وبدأ من الصفر, معتبرا مجيئه هو بداية الفتح المبين لاغيا الآخر! وهكذا يفعل من سيأتي بعده, ولذلك سنبقى عند نقطة الصفر, نراوح في منطقة الفتح المبين حتى قيام الساعة. ثمة اسباب وعوائق تحول بيننا وبين الوصول للقمة, لعل اكثرها بداهة هو عدم قدرتنا على تسلق الجبل! لكن ما المشكلة التي تمنعنا من التسلق, منفذو التنمية لدينا يقولون الجبل! نحن نقول كما يزعم المثل القائل: (ليس الجبل الموجود أمامك هو ما يرهقك, لكنها ذرة الرمال الملتصقة بقدميك) !!

Email