أفغانستان في ظل(طالبان) خيار غير قابل للعيش!بقلم- محمد مشموشي

ت + ت - الحجم الطبيعي

قد لا يكون من نوع (التنجيم)تصور المنطقة التي كانت(ممرا) لحركة القبائل الطبيعية, وحتى للغزوات الداخلية فيما بينها وللمستعمرين الاجانب من الخارج على مر التاريخ اسم ممر خيبر الافغاني يدل على ذلك . منطقة للصراعات على اختلافها وللحروب المسلحة, ان في المستقبل القريب او المتوسط او البعيد, خصوصا اذا احكم تنظيم (طالبان) سيطرته على افغانستان... هذه الارض التي لم تشهد استقرارا سياسيا الا لفترات محدودة ومؤقتة منذ بداية القرن العشرين. فأفغانستان, هذه الدولة الداخلية التي تطوقها من الخارج كل من باكستان وايران وبعض الجمهوريات السوفييتية السابقة (تركمانستان واوزبكستان وكازخستان), تأثرت على الدوام باوضاع الدول خارج حدودها تماما كما اثرت فيها من النواحي السياسية والامنية وبخاصة من الناحية الاستراتيجية التي لعبت الدول الكبرى في العالم, وفي المنطقة, دورا اساسيا في رسم خرائطها او على الاقل في محاولة رسم هذه الخرائط. ومن دون تحميل الموقف اي معنى اخر لناحية التأييد او حتى التنديد, فلم يكن الغزو السوفييتي لافغانستان في مطلع الثمانينات الا في اطار تجسيد الاهمية الاستراتيجية لهذه الدولة وتأثير الوضع فيها على الاوضاع على امتداد المنطقة. وفي التطور (الانقلابي) الجديد فعلا, حيث نشأ في الاسابيع القليلة الماضية وضع في افغانستان من شأنه ان يهدد بسبب سيطرة (طالبان) على معظم البلد بعد انتصاراتها العسكرية على مواجهة التنظيمات الاخرى باحداث تغييرات لم تكن متوقعة فيها اولا ولم تكن تتوقعها المنطقة كلها ثانيا, فلا تعطي مواقف دول الجوار على اختلاف اسباب كل منها واهدافها دليلا واحدا على امكان القبول بالتطور الافغاني الجديد فضلا عن التعايش معه. واذا اضيف الى هذا الوضع الخطير على المنطقة كلها وليس على افغانستان فقط, نتيجة مواقف الدول المجاورة لافغانستان, التطور الخطير الاخر بدوره الذي بات اشبه بأزمة كبرى تتداخل سياسيا على الاقل مع ما سبق الاتفاق على تشكيل (التحالف الدولي) في حرب الخليج, بعد التفجيرين اللذين استهدفا السفارتين الامريكيتين في نيروبي ودار السلام واتهام الولايات المتحدة الرسمي لمجموعة اسامة بن لادن المتواجدة في افغانستان ومن ورائها افغانستان كلها وتنظيم (طالبان) بالوقوف وراء هذا (العمل الارهابي) , فان عنصرا جديدا وفاعلا يدخل اذا الى الصورة التي يمكن رسمها للمنطقة... صورة (الحرب العالمية) التي قد يلوح شبحها في سماء افغانستان, ان لم يكن في المستقبل القريب جدا ففي الشهور القليلة المقبلة على ابعد تقدير. ذلك انه اذا كانت لايران على سبيل المثال (مصالح) خاصة بها يمكن ان توضح تحت بند (المصالح المذهبية) الى هذا الحد او ذاك, بسبب تأييدها الدائم للمجموعات الشيعية في الصراع الدائر في افغانستان, واذا كان للجمهوريات السوفييتية السابقة وحتى لموسكو نفسها ايضا (مصالح) استراتيجية تاريخية من ناحية وسياسية واقتصادية ـ اجتماعية وامنية من ناحية اخرى, فلا يشك احد في ان (الجذرية) التي تتسم بها الطروحات المعادية للعالم الخارجي كله, وليس للولايات المتحدة الامريكية وللغرب فقط, من قبل (طالبان) ومن قبل الفصائل المسلحة التي تؤويها عربية كانت هذه الفصائل او كانت اسلامية بصورة عامة تسهم نظريا وحتى عمليا في تشكيل (تحالف دولي) من دول الشرق والغرب على حد سواء بهدف مجابهة الوضع الافغاني الجديد, ان لم يكن بهدف منع قيامه اصلا. لكن (عامل الحسم) , كما يبدو, يبقى برغم ذلك كله في دولة الجوار الاخرى والاكثر صلة بافغانستان... في باكستان على وجه التحديد. فهذه الدولة الاسلامية الواقعة في قلب اسيا, والتي دعمت طيلة الفترة الماضية ولا تزال حتى الان تنظيم (طالبان) ومقاتليه في حربهم ضد التنظيمات الافغانية الاخرى, سواء منها ذات الصبغة الشيعية او ذات الصبغة الاوزبكية او حتى التنظيمات التي تدعو لاعادة النظام الملكي او النظام الشيوعي لحكم البلاد, ستجد نفسها سريعا او بعد فترة من الزمن امام (ساعة الحقيقة) ... هذه الساعة التي ربما كانت تنتظرها بدورها من البداية. في هذا الصدد تبدو واضحة تماما مشكلة باكستان نفسها. اذ بينما يعود دعمها لحركة (طالبان) في جزء منه لرغبة قادة اسلام اباد في استقرار افغانستان التي لم تشهد الاستقرار الا لماما, وفي جزء اخر لتوسيع نفوذها شمالا, فان الوضع الجديد في كابول يهدد بالارتداد على باكستان نفسها. يؤكد ذلك ما قاله علنا رئيس وكالة العون المتعددة الاطراف (وكالة حكومية) في اسلام اباد مؤخرا. فقد صرح في الصحف قائلا: ان برنامج حركة (طالبان) هو في حقيقته برنامج ديني, فيما يعرف الجميع ان الدين لا حدود له... واذا حوصر هؤلاء (يقصد طالبان) في الشمال فان من الطبيعي جدا ان يتوجهوا جنوبا... الى باكستان من اجل نشر معتقداتهم. اما رئيس الاركان السابق في الجيش الباكستاني اللواء طلال مسعود فيذهب ابعد من ذلك, اذ يقول صراحة لاحدى الصحف الامريكية ان (طالبان) هي خطر مباشر على باكستان, فهؤلاء بدائيون من ناحية, وهم يريدون تعميم بدائيتهم هذه في مجتمعنا نحن... انهم يشكلون مشكلة كبيرة بالنسبة لنا, ولكننا لا نتحدث عن ذلك في الوقت الحاضر. والمشكلة بالنسبة لباكستان, كما لغيرها من الدول الاسلامية والعربية, ليست تبني الاسلام والشريعة الاسلامية نظاما للحكم في افغانستان كما تدعو (طالبان) بل هي في الواقع في (البدائية) التي تحدث عنها الضابط السابق في الجيش الباكستاني والنظر الى الاسلام نظرة موغلة في التحجر والبعد عن العصر وما حفل به من علوم وتقدم في مختلف المجالات وصولا الى السباحة في الفضاء الخارجي واكتشاف الكثير مما خفي على الناس في الماضي. وما تنقله وكالات الانباء العالمية عن قيام مقاتلي (طالبان) بتحطيم اجهزة التلفزيون والاذاعة في الساحات العامة بعد مصادرتها من منازل الناس, وعن منع تعليم الفتيات في المدارس, وعن جر الناس الى الصلاة في المساجد بالقوة الخ..., يعطي صورة عن المفاهيم المغلوطة, والبعيدة نهائيا عن الاسلام, التي يتعلق بها قادة (طالبان) ومقاتلوها ويعلنون انهم سيطبقونها في عموم افغانستان بعد احكام سيطرتهم عليها. في ظل هذه الخريطة البالغة التعقيد للمنطقة التي تقع فيها افغانستان, وخصوصا لدول الجوار التي تحيط بها وتطبق بهذا الشكل او ذاك على الحدود معها, تبدو صورة المستقبل مستقبل افغانستان ومستقبل المنطقة معا امام احتمال من اثنين: اولا: تدخل اطراف الخارج, او بعضها على الاقل, بصورة مباشرة من خلال قواتها او بصورة غير مباشرة من خلال تقديم السلاح والمال والذخيرة اضافة الى الخبرة الفنية لاخصام (طالبان) , والحيلولة بذلك دون تمكنها من احكام سيطرتها على البلاد. ثانيا: في حال فشل هذا الخيار, لجوء هذه الاطراف مجتمعة وكل في اطاره الى شن (حرب) منسقة فيما بينها ضد النظام في افغانستان, وبمختلف انواع الاسلحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الخ... يكون من نتيجتها فرض حصار شامل على هذا النظام بهدف اسقاطه نهائيا او اقله منع تمدد المناخ الذي يشيعه الى خارج حدود افغانستان. ولكن يبقى السؤال المطروح في كل حال هو: هل يستطيع مثل هذا النظام الصمود في وجه الاحتمالين المشار اليهما مع ذلك؟!. من غير المحتمل ان يستطيع نظام (طالبان) وهو على ما هو عليه البقاء طويلا, لاسبابه الذاتية اساسا, ولكن ايضا لوجوده في محيط معاد له بكل معنى الكلمة في حين يصعب تصور وقوف دولة واحدة الى جانبه فضلا عن تقديم ما يحتاج اليه من المساعدة.. وهو حتما يحتاج الى الكثير والكثير جدا في بلد يحتاج بدوره الى كل شيء تقريبا لكي يتمكن من الحصول على لقمة الخبز فضلا عن العيش الكريم. نائب رئيس تحرير السفير اللبنانية*

Email