المجتمع المدني او الفاعل الجديد في العلاقات الدولية،بقلم: حسن اوريد

ت + ت - الحجم الطبيعي

من الامور المتواتر عليها ان الفاعلين في العلاقات الدولية هي الدول بصفة اساسية والمنظمات الدولية بصفة ثانوية, على اعتبار ان وجود هذه الاخيرة غير منفصل عن الاولى. الدول هي الفاعلة عن طريق الحكومات التي تعبر باسمها وتتعهد باسمها, وتبرم اتفاقات باسمها وقد تتحالف مع دول اخرى, وقد تدفع الى المواجهة العسكرية او الضغط الدبلوماسي او الاقتصادي لتحقيق مآربها او للذود عن سيادتها, على اعتبار الحرب استمرارية للسياسة بأساليب جديدة وفق التعريف المتداول لكلوسفيتش. اما الفاعل الثاني فهو المنظمات الدولية, سواء كانت جهوية او دولية, ذات اهداف محددة كالطاقة او التجارة او التنمية, أو اهداف عامة كالأمم المتحدة, أو جهوية.. هذا المفهوم المتداول للفاعلين الدوليين آيل الى التغير. لا لأن هؤلاء الفاعلين سينقرضون ويصبحون ديناصورات مثلما حدث للامبراطوريات, ولكن لان فاعلين جددا سيدخلون حلبة النشاط على مستوى العلاقات الدولية, وان الدولة ومن ثم الحكومات التي كانت الفاعل الاهم في ساحة العلاقات الدولية ستعرف دخول فاعلين جدد سينازعونها هيمنتها وسيؤثرون حتما في مسار العلاقات الدولية, سيتقلص دور الدول في الضبط والمراقبة. ستصبح الدول فاعلا ضمن فاعلين. ان العلاقات الدولية ما بعد الحرب الباردة التي افرزت وضعا جديدا ينبني على سيولة المعلومات ورؤوس الاموال وتقلص الجغرافية, ونقص تكلفة المواصلات, من فاكس وبريد الكتروني وانترنت. كل ذلك دفع الى دخول فاعلين جدد في منأى عن رقابة الدولة او ضغطها, وهؤلاء الفاعلون سوف يؤثرون بدورهم في مسلسل العلاقات الدولية عن طريق علاقة جدلية. اهم ميزة لهذا المعطى الجديد هو دخول المجتمعات المدنية ساحة العلاقات الدولية. ومن الواضح الآن انها تضطلع بدور متنام وبخاصة في الدول المتقدمة. ان تأثير منظمة مثل العفو الدولي يفوق ما قد يكون لدولة ما. فتأثير منظمة العفو الدولي ومواردها اكبر بكثير من مركز حقوق الانسان التابع للامم المتحدة. ان تقاريرها وشهادة حسن السلوك التي تمنحها امر تحسب له الدول الف حساب. وهذه المنظمة التي هي تجلي للمجتمع المدني تتوفر على فروع عبر العالم. ومن تعبيرات المجتمع المدني ذات التأثير في ساحة العلاقات الدولية منظمة كرين بيس التي تعنى بقضايا البيئة والتي تسببت في اقالة وزير الدفاع الفرنسي شارل هرنو, او منظمة اطباء من غير حدود والتي الى جانب نشاطها الانساني تقوم بدور سياسي في ربط الاتصال بين الاطراف المتنازعة كما وقع في افغانستان, او الصومال او البوسنة, او مد القادة السياسيين بمعطيات اولية. فكوشنر رئيس هذه المنظمة عضو في الحزب الاشتراكي الفرنسي وكانت تربطه علاقات مع الرئيس الفرنسي الراحل ميتران. ليس فقط ان بعض المنظمات الحكومية ذات تأثير دولي واضح, بل انها تستطيع ان تعبىء موارد مالية ضخمة. ان حجم المساعدات المالية التي تقدمها هذه المنظمات يفوق ما تقدمه منظمة الامم المتحدة والمنظمات التابعة لها والمتحلقة حولها اذا استثنينا البنك العالمي وصندوق النقد الدولي. وهي الى ذلك تتوفر على خبرة تفوق ما قد يتوافر لدى منظمات دولية تروم نفس الاهداف. وعلى اعتبار بنيتها المرنة تستطيع ان تعبىء خبرات لهدف محدد في زمن محدد. تضطلع المنظمات غير الحكومية في الدول الغربية بدور متنام وتؤثر في حكوماتها, وهذا الدور يلعب دور القاطرة بالنسبة لكثير من المنظمات غير الحكومية في دول العالم الثالث ان كثيرا من المنظمات غير الحكومية التي ظهرت في دول العالم الثالث. في الآونة الاخيرة مرتبطة بمنظمات غير حكومية لدول غربية هي التي منحتها الزخم, والدعم المالي والاعلامي. ارتبطت علاقات المنظمات غير الحكومية عموديا عبر محور شمال جنوب, ومن المتوقع ان تتطور افقيا عبر المحور جنوب جنوب, ولو ان هذا الجانب لا يزال محتشما. لقد اثار اغتيال المطرب الجزائري في الجزائر المعطوب وناس ردود فعل قوية لدى الحركة الامازيغية في المغرب من خلال جمعياتها وفي ارجاء اخرى من ممثلي الحركة الامازيغية في فرنسا او الولايات المتحدة او كندا, بل حتى في جزر الكناري. ان قانون التعريب الذي تبنته الدول الجزائرية اصبح موضع نقاش من قبل مكونات غير جزائرية. ان العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني ليست بالضرورة متكاملة. انها قد تفضي احيانا الى الاصطدام. هل هو تطور ايجابي ام سلبي؟ من الصعب الاجابة عن هذا السؤال. لكن من الثابت ان الاعتبارات التي تحرك الدولة هي غير تلك التي تحرك المجتمع المدني بمختلف مكوناته. هاجس السيادة, والضبط, ومنطق الدولة وما يستتبعه من اسرار غير وارد اطلاقا لدى المجتمع المدني. عقب التفجير النووي الهندي الباكستاني ثار نقاش حول مصير المنطقة في ظل التطور الجديد. وقد اسهم نائب الوزير الأول الماليزي ووزير المالية انور ابراهيم في هذا النقاش في مقال تداولته الصحف الدولية بقوله ان ما حدث هو النزع الاخير لمنطق الدولة. او بتعبيره ان ما حدث هو عبارة عن هدم بناء, سيعقبه بناء جديد اداته ولبنته المجتمع المدني. ان الدولة ومنطقها وتوازن القوى المرتبط بها كل ذلك سيصبح متجاوزا. ومن الباحثين الذين يرصدون تطور هذه الظاهرة من يقولون ان ارهاصات هذا التطور شبيهة باتفاق ويستفاليا لسنة 1648 الذي أدخل الدول الامة حلبة العلاقات الدولية على اعتبار ان التطور الحديث أفرز دخول المجتمع المدني كفاعل في العلاقات الدولية. سيتعايش النظامان وستتداخل اختصاصاتهما. ستستمر الدول في اصدار القوانين, لكن القرار لكن يكون بيدها وحدها. تطور خليق أن نرصده حتى لا يفاجئنا.

Email