أبجديات: بقلم - عائشة إبراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

عبارة (خالي البال متهني) كثيرا ما تستوقفني, حينما يقولها البعض مطلقا وراءها تنهيدة (ما) ونظرة لا تخطىء العين معناها وآهة تختصر العمر كله في سبيل لحظة هدوء وراحة بال. وكأن راحة البال قد غادرتنا إلى دنيا الأبدية, فصرنا نناديها بوله وشجن (أين أنت يا راحة البال؟) , يقول البعض إن راحة البال أصبحت تراثا من الماضي, اختفت في ذاكرة الرضا والزمن البسيط والقناعة التي كانت كنزا لا يفنى, فصارت ضد الطموح وعلو الهمة اللذين تدججنا بهما وبارزنا أنفسنا قبل ان نبارز الحياة, لذلك حلقت راحة البال بعيدا, صارت وشما أثريا يراودنا في أحلام المساء واليقظة, صارت العصفور الجميل الذي نحلم ان يقف على أيدينا يأكل اللوز والسكر! صارت دعاء صالحا طيبا ندعو به لأنفسنا ولمن نحب (الله يريح بالك!) آمين!! هل فعلا غادرتنا راحة البال إلى غير رجعة؟ هل صرنا أشخاصا مرضى بالقلق والتوتر والاكتئاب والغربة والتفكير المتواصل في كل شيء وفي اللاشيء, هل أصبح انسان اليوم كما يقنعنا أطباء العلوم النفسية, يرزح تحت وطأة هموم ومشاكل وأعباء تدفعه للسقوط في دائرة القلق والتوتر وبالتالي تفقده راحة البال؟ لنسلم بأن نمط الحياة الذي اخترعناه والمتسبب في هذا القلق لن يتغير بكافة طقوسه وإشكالياته, فهل كتب علينا التورط الأبدي في هذا الوباء؟ بالتأكيد هناك سبل كثيرة لاستعادة هذا المشاكس العصي: راحة البال. أيهما أكثر قلقا يا ترى:الرجل أم المرأة؟ كعادته سيبادر الرجل لادعاء هذا (الشرف) القاتل, فالقوامة يجب ان تكون له في كل شيء, وكعادتها المرأة أيضا ــ تحاول ان تلعب دور البطولة الخارق ــ مصنفة نفسها انها الأكثر قلقا, في الوقت الذي ستحاول بعض الراكضات خلف سراب المساواة مع الرجل التأكيد بأن نصيب الاثنين واحد من مرض العصر: القلق وفقدان راحة البال. في واقع الأمر تبدو المرأة أكثر وقوعا تحت نفوذ هذا الوباء, لأسباب عديدة تعود لتركيبتها النفسية والبيولوجية, وقدرتها على امتصاص الصدمات والتعامل مع الأزمات والمواقف الحادة, كما ان المشهد العام للحياة يؤكد ان المرأة تودع راحة البال يوم تقف على اعتاب المراهقة تلوح مودعة عزيزا سيبقى في البال كطعم السكر اسمه الطفولة, وقد يكون هذا هو السبب الحقيقي في حنين المرأة الدائم لتلك المرحلة, انه الحنين للخلاص من قلق مؤبد سجنت فيه بحكم التكوين. لذلك نلاحظ ان المرأة التي لا تعمل أقل توترا, وغير المتزوجة والتي ليس لها ابناء مقارنة بتلك التي يسرق أبناؤها راحة بالها في اليوم الذي تطل فيه وجوههم القدسية على الحياة. كذلك المرأة التي تضطرها الظروف لمصارعة الحياة والسير في حقول الألغام, هذه بلاشك أكثر توترا, وكلما زادت أعباؤها ووزعت نفسها على جبهات عديدة كلما زاد قلق المرأة وغادرتها راحة البال من كل النوافذ والأبواب. يكفي المرأة قلقا, انشغالها الدائم بأبنائها عندما يغادرون المنزل للمدرسة وعندما تتركهم في البيت لدواعي العمل, وعندما تفكر في زوجها ومطالبه, وعندما يمرض الصغار, وعندما... الخ. الرجل أيضا يصاب بالقلق والتوتر وتغادره راحة البال, لكنه قادر على التعامل مع هذا الهم, لأن خياراته ومساحة الحرية التي يتمتع بها لتصريف همومه وتوتراته, أكثر من ان تحصى!

Email