ابجديات ـ بقلم: عائشة ابراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا شك انه قد خطر على بالك يوما أن تسأل: لماذا يزداد الفقر ولا تتحسن احوال الفقراء في بلدان العالم الثالث, خاصة تلك التي تعاني الفقر الابدي والمجاعات المستمرة, والجفاف وطوفان الاوبئة ومعدلات الوفيات المتزايدة , وذلك برغم المعونات التي تقدمها شعوب ودول العالم الغنية ـ وقد تكون انت واحدا من اصحاب هذه المساعدات؟ في كتابه (سادة الفقر) يؤكد جراهام هانكوك المراسل الاقتصادي لصحيفة الايكونومست البريطانية ان اكثر من 60 مليارا من الدولارات تقدمها سنويا الدول الغنية الى فقراء العالم الثالث, يتم استغلالها على هيئة مشروعات عملاقة غالبا ما تدمر البيئة, وتحطم الحياة, وتساعد انظمة ديكتاتورية بشعة. هناك مصطلح فني يطلق على ما يجري في الكثير من الدول المتلقية للاعانات هو (طيران رأس المال) فهذا المال الذي يجمع على شكل اعانات من الدول الغنية للدول الفقيرة, يقوم الاغنياء في الدول الفقيرة بتحويله الى بنوك الدول الغنية ولحسابهم الشخصي!! وبطريقة لا يبدو الأمر وكأنه سرقة بشكل مباشر! العالم الثالث الذي يترنح تحت ضربات قاتلة من مافيا الفساد والطغيان السياسي, يعج بأمثلة وصور لتجاوزات مفزعة.. لا يمكن تصورها لعمليات استغلال المعونات او ما يعرف بصناعة العون والاغاثة. في بنجلاديش موّل البنك الدولي مشروعا لحفر ثلاثة الاف بئر ميكانيكية يفترض ان تلبي احتياجات ما بين 25 ـ 50 الف مزارع. لكن احدا لم يفاجأ حين استولى الاغنياء في القرى على هذه الآبار لصالحهم, وفي أحسن الاحوال فقد تم شراؤها من قبل الحكومة وتأجيرها للفلاحين بأسعار خيالية! احد موظفي البنك الدولي علق قائلا: (كل الآبار ذهبت للكبار فالاولوية لذوي النفوذ) . في اندونيسيا جمع سوهارتو وعائلته ثروة تقدر اليوم بمبلغ 40 مليار دولار بالطريقة ذاتها, وفي الفلبين ـ على عهد ماركوس واميلدا ـ بلغ حجم الدين الاجنبي 26 بليون دولار عام 1986, برغم ان الفلبين كانت من اكثر بلدان شرق آسيا تلقيا للدعم الامريكي والمعونات الاجنبية بواسطة البنك الدولي! لقد اتضح فيما بعد أن كل تلك المعونات كانت تنفق على مشاريع تفاخرية لارضاء غرور الرئيس وزوجته, ولم يكن يذهب منها شيء لفقراء وجوعى ومرضى الفلبين وتكفي المعلومات التي نشرت حول (عالم احذية السيدة اميلدا) اضافة لتهريب اكثر من عشرة بلايين دولار لحساب الرئيس مع عدد لا يحصى من العقارات الفخمة في الولايات المتحدة, ومجموعة فخمة من التحف الباهظة تزين منازل اميلدا فيما وراء البحار! وزير المالية في حكومة هاييتي السابقة كشف ان الرئيس السابق دوفالييه كان يحول ما مقداره 15 مليون دولار شهريا لحسابه الشخصي في بنوك سويسرا معظمها وصلت هاييتي عن طريق المساعدات الاجنبية لمشاريع التنمية, نفس هذه المساعدات استغلها موبوتو رئيس زائير الراحل لبناء ثروة قدّرها صندوق النقد الدولي ما بين ثلاثة أو أربعة بلايين دولار اضافة للفنادق والقلاع والقصور الفاخرة في دول اوروبا والولايات المتحدة. في الوقت الذي تعد فيه زائير ثامن افقر دولة في العالم! العجيب كما يقول (جراهام هانكوك) ان البنك الدولي وبدلا من معاقبة امثال هؤلاء الزعماء غير المسؤولين, ومراقبة مشاريع التنمية الممولة من قبله, إلا انه يبارك سلوكهم ويشجعهم بامدادهم بالمزيد من القروض والمساعدات ولأهداف مرسومة ومعلومة طبعا! ان قصة السمين والنحيف كثيرا ما تتردد في مواضيع كهذه, حيث قال السمين للنحيف: (يجب ان تخجل من نفسك, فاذا رآك احد الاجانب فسيعتقد بوجود مجاعة عندنا) رد النحيف قائلا: (واذا رآك بعدي مباشرة فسيعرف سبب المجاعة) !!

Email