مع الناس: بقلم - عبد الحميد أحمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

قرأت في اسبوع عددا من اخبار الحلاقين يوازي اخبار السلام, حتى اعتقدت ان هناك مناسبة عالمية كيوم الحلاقين الدولي مثلا تجعل من بث هذه الاخبار واجبا, لولا انه لم تكن هناك مناسبة, باستثناء ان بعض الصحف مل من اخبار السياسة كمثال فآثر عليها اخبار الحلاقين, مثلما آثرتها انا اليوم على اخبار نتانياهو او عرفات او 13% او 15%, فأنقلها للقارىء لزيادة المعرفة, فيشكرني الحلاق من بينهم على هذا الاهتمام. هذه الاخبار جاءت من الصين والمانيا في الشرق والغرب, مرورا بالكويت ومصـر وغيرهما من بلدان الشرق الاوسط, فأبدأ بالصين التي اوصانا بها ديننا بطلب العلم منها, حيث بادر فيها طلبة مدرسة لتصفيف الشعر بوضع مقاعد عديدة في شارع ببكين ليحظى من المارة من يرغب بقصة شعر او تسريحة, ويتعلم الطلبة في رؤوسهم دروسا عملية, وينالون هم قصة مجانية, فيما يمكن تسميته تبادل مصالح. وبما انه لا توجد مدارس عندنا للحلاقين ولا نقابة تنظم عملهم, فقد رأيت ان البلديات تستطيع الاستفادة من الدرس الصيني خاصة اننا على ابواب صيف, فتنظم مثلا يوما للحلاقين في الحدائق العامة يقصون فيه شعور الناس بالمجان, ونرصد فيه جوائز تشجيعية خاصة للشباب, لكي نحثهم على حلق رؤوسهم, لا حفاظا على مظهرهم العام فحسب, بل حماية للبيئة ايضا من التلوث المحتمل بالبق والقمل وما شابه بفعل الشعر الطويل ومع ارتفاع الحرارة صيفا. وبما ان الحلاقين في الصين خارج اي احصاء ممكن, فنتركهم الى زملائهم في بلدان اخرى من التي يمكن احصاؤهم بسهولة نسبة الى قلة عدد السكان مقارنة بسكان الصين, ومن هؤلاء الحلاقون الالمان الذين يصل عددهم الى حوالي 250 الف شخص, ما يزيد على عدد سكان بعض الدول الصغيرة, مجموع دخلهم السنوي حوالي 12 مليار مارك, هي ما ينفقها الالمان بسخاء على رؤوسهم فتدخل جيوب الحلاقين. هذه الامبراطورية من الحلاقين مكنت الالمان من استضافة المعرض الدولي لمصففي الشعر هذا الشهر بحضور حلاقين من دول اوروبا كلها وبعض دول آسيا كالهند وكوريا وبمشاركة 180 شركة من مختلف بلدان العالم تعرض آخر ما توصلت اليه تكنولوجيا حلاقة الشعر وقصه ولزقه وزرعه وقصفه وكيه وازالته وتلميعه وتشميعه الى آخر ما تقتضيه عمليات التجميل والتسريح والقص, فنعرف المدى الذي تطورت فيه مهنة الحلاقة وصناعتها, كما نعرف اهمية شعرنا تجاريا واقتصاديا. التطور وصل الى بعض دولنا العربية ومنها مصـر, حيث قررت احدى الفتيات العمل في صالون حلاقة رجالي, فثارت ثائرة الحلاقين الرجال عليها, لا غيرة فحسب وانتقادا, بل لخوف ربما من تهديد مباشر لمصالحهم, لكنها صمدت وتصدت لما تعرضت له من مضايقات زملاء المهنة, وهي اليوم تباشر عملها في محل خاص بها, وعندها من الزبائن الذين يزدادون عددا ما يكفيها لدخل عال شهريا, ومع الزبائن طبعا ارقام هواتف يتركها بعضهم وعروض بالخطبة والزواج يتركها آخرون, ترفضها كل يوم, لان القبول بواحد منها يعني نهايتها في بيت الزوجية فيما الحلاقة بالنسبة لها فن وتسلية ومكسب وليّ لاعناق الرجال او كسر لرؤوسهم. وبما ان التطور لا يشمل المهنة وحدها, فمعها ثمة تطور في القصات بحكم الضرورة او التقليد, فان الحلاقين في الكويت, خاصة اللبنانيين والفلبينيين, قامت سوقهم بقصة نسيم حميد التي يطلبها الشباب الكويتي, مقابل الحلاق الهندي الذي لا يعرفها فيخسر جزءا من زبائنه, وهي قصة تكلف الشاب حوالي 50 درهما وتتطلب للحفاظ عليها تجديدها كل 20 يوما لكيلا تختفي, ما يضمن معها الحلاقون استمرار المدخول الجيد, وهم يشكرون الملاكم اليمني الاصل نسيم حميد الذي اهداهم هذه القصة من دون تفكير, لمجرد ان هناك من هو جاهز للتقليد, وليس مثل الشباب اشطر في التقليد سوى... القرود.

Email