مع الناس: بقلم - عبد الحميد أحمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد أن استوعبنا تركيب أطراف صناعية أو زراعة أسنان أو معادن أو لدائن بلاستيكية في أجزاء مختلفة من الجسم البشري, فإن الانسان موعود بمزيد من التقدم والتطور في هذا الاتجاه, غير أن التقدم هذه المرة يعني تركيب موتورات وأجهزة تعمل ذاتيا أو ببطاريات, حيث لن يطول علينا الزمن لنجد في أجسامنا عند اعتلالها قلوبا من صفيح ورئات من تنك وكلاوي من بلاستيك وهكذا. فقد شاهدنا مؤخرا صورة الجهاز الألماني الذي يعالج ضغط الدم تلقائيا, وهو جهاز لايزيد حجمه على أربعة ملليمترات يبدو أمام رأس عود الثقاب ضئيلاً, هذا الجهاز سوف يزرعة الأطباء الألمان بعد نجاح تجربته في الجسم, فيتولى التحكم في الضغط تلقائياً, يرفعه كلما نزل الضغط عن المعدل ويخفضه كلما زاد إلى درجة الخطر, فينهي بذلك حقباً من استخدام العقاقير والأدوية, ويقلل من الوفيات الناشئة من أمراض الضغط. وقرأنا مثلاً عن جهاز يطلق الأنسولين بالمعدلات المطلوبة في الدم, فيكون بديلا عن البنكرياس المعطوب لدى ملايين من مرضى السكري, يتم شحنه بالعقار عبر فتحة في الجسم كلما نقص, فينقذ بدوره المرضى لا من وفيات محتملة, بل من مضاعفات المرض التي تبدأ من الهزال ولا تنتهي بالعمى وبتر السيقان. وربما كان مثل هذا الجهاز مخططا على الورق بعد, مقابل القلب الصناعي الذي يوشك أطباء في بريطانيا على زراعته في أجسام مرضى متطوعين بديلا لقلوبهم العليلة في أول تجربة من نوعها سوف تشهدها البشرية قريبا, فيكون في صدر الإنسان قلب دائم ولكن من معدن. هذا القلب المصنوع من مادة التيتانيوم ولايزيد حجمه على إبهام إصبع اليد والمزود بتوربين صغير يضخ الدم بمعدل يزيد على سبعة ليترات في الدقيقة, اختراع أمريكي لم يجد مخترعه روبرت يارفيك (القلب يسمى (يارفيك 2000) نسبة لمخترعه هذا) التصريح بتجربته في أمريكا فلجأ إلى بريطانيا, حيث قرر مستشفى في اكسفورد زراعته بغرض التجربة, وهناك اليوم حسب المستشفى 23 متطوعاً لتجربة القلب الجديد. طبعاً هذه التجربة ستكون مثيرة على المستوى العلمي والانساني والفلسفي معا, فنجاحها طبياً يعني انتهاء عمليات القلب الحالية واستبدال القلوب المعطوبة بهذا القلب الصناعي وبالسرعة المطلوبة, أما على المستوى الانساني والفلسفي فنتركه للمفكرين والفلاسفة ليبحثوا التحولات التي يمكن أن تصيب الانسان في مشاعره وعواطفه, من مشاعر الخوف والحزن والحب والغيرة إلى مشاعر الغضب والكره والحقد وغيرها, من التي إما يعتبر القلب مصدرها ومستودعها أو يعتبر المعبر عنها بالخفقان ورد الفعل وغير ذلك, فتنقلب نظريات وفلسفات رأساً على عقب, في حال نجاح القلب الجديد المعدني ليكون مجرد مضخة لا أكثر ولا أقل, فلا نقول له بعد الآن يا قلب لاتحزن, أو قلبي يحب أو قلبها حزين. وبما أن القلب هذا يعمل بالبطارية (يستطيع المريض فصلها عدة ساعات للاستحمام أو الراحة مثلاً من دون أن يتأثر القلب) فإن القتل مستقبلاً لن يكون بإطلاق الرصاص على القلب لإتلافه, بل بفصل التيار الكهربي عنه وسرقة البطارية من صاحب القلب وحرمانه من الطاقة, كما أن صاحب مثل هذا القلب لن يستطيع أن يكذب على زوجته أو من يحب فيقول لها أنها تملك أغلى ما عنده, أي قلبه, أو أنه مستعد ليهديها قلبه لأن حبها فوق أية هدية أخرى, فهذه سترد عليه ببساطة: خذ مائة جنيه واشتري لك واحد ثاني! أما إذا قال لها كما قال فريد الأطرش ذات يوم : قلبي ومفتاحه دول ملك إيديك, فسوف يكون صادقاً حتماً لأنها ستكون التي دفعت ثمن قلبه الصناعي وأهدته البطارية في آخر عيد ميلاد له.

Email