ابجديات :بقلم -عائشة ابراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

فوجئت عندما فتحت باب مكتبي في الجريدة ذات صباح, بعلبة كبيرة لفت بعناية وذوق, وزينت بشرائط وورود والوان باذخة, تنم عن مشاعر مرسلها وذوقه, وقد استلقت على مكتبي بهدوء فاخر . فتحت العلبة, فاذا بداخلها بطاقة انيقة, كتبت عليها عبارات سأظل اذكرها ما حييت, واذكر ذلك الخط الرقيق الذي كتبت به, قرأت البطاقة, نظرت إلى الهدية, ابتسمت وسقطت من قلبي دمعة. ربما وصل الفضول بالبعض منتهاه, ليس مهما ان نتحدث عن ماهية الهدية, فهي (شيء) كبقية الاشياء التي تتخطفها اعيننا واسماعنا كل دقيقة, وبالتأكيد فهي لم تكن نادرة, أو شيئا من اساطير مغارة علي بابا, الهدية كانت بسيطة جدا, وبرغم ذلك فقد كانت اكثر من رائعة, لقد حملت الكثير, وقالت الكثير, ولا يهمكم في النهاية ان تعرفوا ما هي؟! وفي موضوع الهدايا تختلف اذواق الناس, وتختلف توجهاتهم واهدافهم, ولكنهم جميعا يتفقون على انها الرمز الذي لابد من التمسك بأهدابه, وشرائطه واغلفته الملونة, فعلى اطرافها تحلق قلوب وذكريات, ويبحث الكثيرون في الوانها عن دفء مفقود, وعلاقات كانت, واخرى ستكون, وعواطف تيبست ذات شتاء لم يكن قارسا. وللناس في موضوع الهدايا ــ كما في العشق ــ مذاهب وشؤون, وفي امر الهدية التي تلقيتها, والبطاقة التي تفيأت قلب الصندوق بشاعرية, كان لي شأن, وشجن. الهدية جاءت من صغيرات, كنت ذات يوم اشاركهن الانتماء لمكان واحد, قضينا فيه صباحات طويلة معا, تشاركنا فيه ايام الشتاء الحنونة, ونهارات الصيف الحارقة, قسوت عليهن احيانا, لكنني احببتهن في كل الاوقات, سؤال لا اعرف الاجابة عنه: لماذا كل الذين يعملون في المدارس لا يجيدون اظهار عواطفهم امام تلاميذهم؟ وحين يفعلون يتهمون بالتورط في الحماقة التربوية العظمى, وكأنهم وزعوا افيونا وحشيشا على طلاب المدارس. المهم ان الصغيرات, كبرن, وآن آوان تخرجهن من المدرسة, وبما ان طوفان هذا الزمن الماحق قد جرفنا, وصرنا من الذين يتخلصون من ذكريات اليوم الراهن بالقائه خلف ظهورنا بمجرد اطلالة المساء, فقد نسيت الاستعداد للمناسبة ونسي الاخرون تذكيري بها. الصغار في هذه الايام ــ وفي كل الايام ــ يعلموننا دروسا لا تخطر على البال, ودرس الصغيرات كان عبقا كطعم المحبة والوفاء في قلوبهن. وتذكرت قولا قرأته: (اذا شئت ان تصنع جميلا, فاصنعه بسرعة, ذلك بأن ما يصنع بسرعة سيلاقي قبولا, الهبات التي تمنح ببطء لا تستقبل استقبالا حسنا). هذا يعني انك يجب ان ترد الهدية, ليس شرطا بهدية اكبر أو اصغر, ليس ضروريا ان تردها هدية من الاساس, لكن قل شكرا بطريقة أو بأخرى, ولكن قلها بشكل جميل, فذلك يكفي, ولكنه مهم جدا, لا تستقبل هدية ــ مهما كانت ــ وكأنك تستقبل امرا كان يجب ان يحدث, كأن المساء لف الكون كعادته, أو ان الشمس اشرقت في الصباح, فهذا هو الصقيع الذي تسكبه على روح العطاء دون ان تدري!

Email