ابجديات: بقلم - عائشة إبراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ يومين عرض تلفزيون الشرق الأوسط (MBC) برنامجا وثائقيا حول موضوع (العرب واسرائيل.. خمسون عاما من الصراع) وفي هذا البرنامج, تتالى أمام أعيننا عدد كبير من الرجال الشهود. جنرالات حرب سابقون (عرب واسرائيليون) وزراء متقاعدون, مهندسون بارزون في سلاح الطيران, مساعدو وزراء حربية ودفاع ... ورؤساء دول. وفي هذا البرنامج, تحدث الاسرائيليون كثيرا, وثرثر العرب أكثر, وعلق المذيع بكلام كالفاجعة, وكان الفرق شاسعا, وواضحا, كما هو دائما, وسيبقى بين الثرثرة العربية وكلام الاسرائيليين, خاصة حين يستعرض الطرفان أوراقهما الخاصة بلعبة يونيو 1967. السادس من يونيو 67 لم يكن حربا - من جانبنا - وبكل المقاييس العسكرية, انها الكارثة الأعظم المحسوبة دوما على تاريخ هزائمنا الذي لا ينتهي على يد (الآخر). هذا (الآخر) الذي (كان) عدوا, تغيرت ملامحه البشعة في داخلنا, ويقال ان ذلك حدث في غفلة منا, وهذا هو الكذب الأبشع من النكسة (كما يحلو للبعض ان يسميها). (العدو الاسرائيلي) مصطلح ما عاد يستخدم هذه الأيام, انقرض مع أشياء كثيرة وما عاد (محتلا), تحول إلى (الجار الجنب) المفروض, ثم أصبح (الصاحب بالجنب) وغدا تتعالى أصوات نكرة: هذا اليهودي الذي ما من مودته بد!! وهكذا حتى تحين نهاية الفيلم العربي المعروفة, فيقرأ (المأذون) بادئة التلمود لهم, وفاتحة القرآن علينا... هذا إذا لم تقرآ بعد في أوسلو ومدريد وكوبنهاجن. أما الذين سرقوا زهو الأمل من دواخلنا, وشيئا من بقايا الكرامة التي كنا نتدفأ بها, فكلهم أو بعضهم ممن ما زال على قيد الحياة, كلهم كانوا يتحدثون في البرنامج, عن فجيعة حزيران 67 على انها شيء من كوارث الطبيعة, فاجأتنا قضاء وقدرا, ومطارات وطيران ضرب هكذا في غفلة وفي غفوة عين... وانتهى الأمر! العجيب ان شهودنا ما زالوا يتذكرون التفاصيل جيدا, برغم هذا العمر الذي انقضى, وشلال السنين والأحداث الذي هدر في المنطقة, وبرغم ان ذاكرة الرجال - كما ثبت علميا - هي الاسرع ضعفا واضمحلالا.. وبرغم ذلك الضخ الهائل من الأعمال الادبية والسياسية والفنية والتصريحات وكتب المذكرات والسير الذاتية التي تحدثت في مجملها عن أدب الهزيمة ان صح التعبير, وما افرزه من فقدان التوازن, وحالة التيه التي سيطرت على جيل كامل, وضربت الامة من اقصاها إلى اقصاها. الغريب ان مهندسي الكارثة العربية ما زالوا يتذكرون ادق التفاصيل, مع انها لم تكن رسما على أوراق الزمن, كانت وشما تتريا دمويا على جدران الذاكرة والشرايين. والأغرب انهم لم يفقدوا الذاكرة يومها بل ظلت ذاكرتهم متوهجة, ومستعدة للتصريح والادلاء والتسجيل لكل الفضائيات العربية, واتساءل: كيف لم يفقدوا ذاكرتهم بعد؟ وكيف لم يقضوا بالسكتة الدماغية؟ ومنذ 67 وحتى اليوم, تبرأنا نحن ممن ولدنا على حواف الكارثة, من عشرات السنين من اعمارنا, ولم تتبرأ ذاكرة الفاجعة منا بعد.. ما زالت تسكننا حتى العظم. في 67 مات 15 الف جندي مصري فقط, و300 جندي يهودي حسب التقرير المتلفز!! تأمل, وتفجع, وقارن, تعرف لماذا دخلنا دهاليز مدريد عام 91 بعد نفق العراق - الكويت المظلم, ولماذا ساوم اخوة السلاح على القضية في فنادق أوسلو الفخمة, ليخرجوا علينا بمزاميرها المهترئة, والتي زادت فجائعنا واحدة أخرى! جنرال اسرائيلي في حرب 67 قال: (كنا نحارب ونحرز الانتصارات على العرب وعيوننا على التاريخ الذي لن يرحمنا ان نحن فعلنا شيئا آخر غير الانتصار!) فعلى ماذا كانت عيون جنرالاتنا يومها يا ترى؟؟

Email