مع الناس: بقلم - عبد الحميد أحمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

السعيد هو من سيحظى بشقة في سفينة الحرية التي قرأنا خبرها امس على هذه الصفحة, لا لأنه سينجو من الضرائب كما يحسبها الغربيون , بل لانه سيكون بعيدا عن العالم ومنغصاته وهو يجوب البحار, وفي الوقت نفسه يمكنه ان يتابع اخباره ان رغب عن طريق التجهيزات الحديثة في السفينة من هواتف ومحطات تلفزة وغيرها. هذه السفينة العملاقة التي سيبلغ طولها ميلا, يذهل الرسم التخطيطي لها من يراه, فهي ستضم عشرين الف شقة وتستوعب 65 الف راكب وعلى متنها مطار ومستشفيات وجامعة وحمامات سباحة وملاعب جولف وغير ذلك, ما يجعلها مدينة بمعنى الكلمة, وبما ان انجازها سيتم في امريكا بما يعني احتواءها على كل وسائل الراحة والمعيشة الحديثة, فانها ستتفوق على كثير من مدن العالم, خاصة العالم الثالث, التي لايزال بعضها يحلم بمستشفى أو بطريق أو مطار, فلا يجد الا الغبار والامراض والتخلف. وبما اننا نريد ان ننسى العالم الثالث والرابع وكل ما فيه من منغصات فاننا نبقى مع السفينة, التي سيتكلف بناؤها حوالي 3.6 مليارات جنيه استرليني (حوالي 20 مليار درهم) فانها بهذه الضخامة والفخامة معا, وبصفتها مدينة حقيقية عائمة تجوب البحار حول العالم مرة كل عامين, تكون نوعا من الاحلام المستحيلة التي اثبت الانسان بما يمتلك من علم وتكنولوجيا وارادة ان المستحيلات لم تعد تقف في طريقه, وانه في طريقه بالمقابل إلى تحقيق المستحيلات. وربما ان ما نقرأ عنه اليوم من اخبار للتسلية, كتنظيم رحلات سياحية إلى القمر مثلا, أو اقامة مجمعات سكنية في الفضاء أو انشاء عمارات عملاقة يكتفي فيها الانسان بكل اسباب الحياة والمعيشة فلا يغادرها الا إلى قبره, ونضيف عليها اخبار الاستنساخ ونقل الاعضاء وزراعتها واختراع الروبوتات التي تدير كل شيء في حياتنا بما في ذلك الروبوت الاقرب إلى الانسان, وغيرها مما لا يمكن تصديقه اليوم يتحقق في القرن المقبل, فنعرف ان جبروت الانسان لا تحده حدود, وقد عشنا ورأينا بعضا من الذي لم يكن تصديقه ممكنا بالامس, وقد تحقق اليوم, من الطائرة التي تقطع القارات في ساعات إلى غزو القمر نفسه إلى دوللي مؤخرا وهكذا. اليابانيون مثلا لم يصدقوا مشروعا عام 1914 تقدم به رجل اعمال يقترح فيه انشاء جسر بين الجزيرة الرئيسية هونشو وبين جزيرة شيكوكو في الجنوب عبر مضيق اكاشي, فوصفوا الاقتراح بالحلم المستحيل, الذي تحقق عمليا واخيرا حين تم بناء هذا الجسر الخرافي نفسه وافتتحه ولي العهد الياباني امام حركة السير منذ خمسة ايام فقط, ليكون بذلك أطول جسر معلق في العالم. غير ان بناة السفينة العملاقة, وهي شركة امريكية تفرغت كليا حسب الخبر لبنائها, لا تعد بتحقيقها بعد نصف قرن أو قرن كما حصل مع الجسر الياباني الذي تكلف بناؤه حوالي عشرة مليارات دولار (اي 37 مليار درهم) واستمر العمل به عشر سنوات, بل تنوي الانتهاء من صنعها بعد حوالي اربع سنوات من الان, ما يمكن اعتبارها في نطاق الممكن والمتحقق, وهي تنتظر ان تجمع 121 مليون استرليني من بيع الشقق كشرط لكي تبدأ عملية البناء, وحسب الخبر فان الاقبال على الشقق كبير وتم حجز الف شقة حتى الآن. مع ذلك ربما تعجز الشركة عن بيع الشقق فيكون التمويل وحده سببا لابطاء التنفيذ أو تأخيره إلى زمن بعيد, لا عجز الانسان عن بناء هذه السفينة التي تبدو اي سفينة ضخمة من سفن اليوم مجرد ذبابة إلى جانبها, فنشهد مع ولادتها عصر المدن السابحة, أو الدول السابحة, التي لا تحدها حدود سوى المياه ولا وجود ثابت لها على خريطة العالم, فيهرب اليها كل باحث عن السعادة والحرية معا ليشتري شقة فيها, ويكون له سرير على الماء.

Email