التغلغل الصهيوني في أفريقيا(2 ــ 2) بقلم: الدكتور فيصل الرفوع

ت + ت - الحجم الطبيعي

ثالثا: دور الاستعمار الغربي في تمتين العلاقات الافريقية ــ (الاسرائيلية) : لقد ساهم الاستعمار الغربي في تمهيد الطريق لاسرائيل لاقامة علاقات واسعة مع دول افريقيا, فأثناء استعمار هذه الدول ــ الاوروبية ــ لافريقا كانت تفتح المجال أمام النشاطات (الاسرائيلية) لدراسة أوضاع هذه الدول ووضع الخطط المستقبلية من أجل استمالتها الى جانبها والتغلغل فيها. وقامت الكثير من المؤسسات والفعاليات النقابية والشعبية والحكومية الغربية بدعم جهود الدولة الصهيونية في توجهاتها الافريقية, فقد كان المعهد (الاسرائيلي ــ الافريقي) , والذي يتخذ من تل أبيب مقرا دائما له, يقوم بتوجيه العلاقات الافريقية ــ الاسرائيلية, ووضع الخطط المستقبلية والدراسات الميدانية التي تخدم (اسرائيل) في توجهاتها الافريقية, هذا المعهد يعتمد في تمويله على الدول الغربية. كذلك مهدت المساعدات والقروض العربية والامريكية للدول الافريقية, الطريق امام اقامة علاقات طبيعية بين (اسرائيل) والدول الافريقية المستقبلية لهذه المنح والقروض والمساعدات, بل كانت هذه المنح والمساعدات والقروض تخضع لشرط مسبق وهو اقامة علاقات مع (اسرائيل) . كما ان انضمام (اسرائيل) في اتفاقيات خاصة مع السوق الاوروبية المشتركة, ودور (اسرائيل) في المنظمات العامة والمتخصصة اعطاها فرصة كبيرة للمناورة والتغلغل الى قلب القارة الاوروبية. رابعا: اللوبي اليهودي في أفريقيا: يلعب اليهود الافارقة دورا رئيسيا ومهما في دعم العلاقات الافريقية ــ (الاسرائيلية) , والكل يعلم بأن أي يهودي في العالم له الحق في الحصول على الجنسية (الاسرائيلية) والهجرة الى (اسرائيل) والاتصالات مع يهود افريقيا مستمرة, سواء عن طريق (اسرائيل) نفسها او عن طريق الوكالة اليهودية. لقد شكلت الهجرة اليهودية الافريقية الى فلسطين ما نسبته 16% من مجموع السكان اليهود, وترتفع هذه النسبة الى حوالي 18.5% بعد قدوم يهود الفلاشا وغيرهم, وبالتالي فان هذه النسبة كفيلة بأن تكون جسرا ثقافيا وسياسيا واقتصاديا بين (اسرائيل) وافريقيا. قنوات تنفيذ السياسة الصهيونية في القارة الافريقية: أهمية افريقيا بالنسبة لاسرائيل, دفع الاخيرة لايجاد اجهزة وقنوات خاصة من اجل خدمة العلاقات والتوجهات (الاسرائيلية) وخططها الافريقية, وتوجيه العلاقات بين الطرفين وتنفيذها, واهم قنوات التنفيذ هي: (أ) وزارة الخارجية: وزارة الخارجية في أي بلد تقوم بالسهر على رعاية مصالح ذلك البلد خارجيا, و(اسرائيل) لا تشذ عن ذلك, فوزارة الخارجية الصهيونية, اوجدت عدة ادارات ذات اختصاص, من اجل رعاية وتوجيه وتنفيذ السياسة الخارجية الصهيونية تجاه افريقيا. واهم هذه الادارات هي (الادارة الافريقية) , ثم ادارات (الاعلام) و(التعاون الدولي) و(العلاقات الثقافية) و(الادارة الاقتصادية) ثم تأتي (الادارة الاوروبية) , وذلك من اجل متابعة العلاقة مع جنوب افريقيا, لأن جنوب افريقيا حتى الان ــ عهد مانديلا الى حد ما ــ في العرف الصهيوني تعتبر دولة أوروبية وليست افريقية؟؟ واذا كانت الادارة الافريقية بوزارة الخارجية الصهيونية تتخذ على عاتقها تتبع التطورات السياسية في الدول الافريقية ورصد علاقاتها الخارجية, وتحليل واقع ومستقبل حركات التحرر فيها, وتوجيه البعثات الدبلوماسية (الاسرائيلية) في افريقيا, والقيام على اتصال دائم مع السفارات والبعثات الدبلوماسية الافريقية في (اسرائيل) , فان ادارة الاعلام يقع على عاتقها رصد النشاط الاعلامي الافريقي تجاه (اسرائيل) , وتقوم باعداد الدراسات الدعائية خدمة (اسرائيل) وتوجهاتها, خاصة كتابها السنوي (حقائق عن اسرائيل) , الذي يقوم بتوزيعه على الافارقة وبلغات مختلفة, كما ان هذه الادارة تقوم بتطوير العلاقات الاعلامية المختلفة مع الدول الافريقية. في حين تقوم الادارة الثقافية وتنفيذ الاتفاقات المبرمة بهذا الشأن, كما ان وزارة الخارجية الصهيونية ومن خلال سفاراتها وقنصلياتها تقوم برعاية مصالح اليهود في هذه الدول, وابقاء هؤلاء اليهود على اتصال مع (اسرائيل) . ب ــ الهستدروت: نتيجة لموقع الهستدروت, والعوامل التي ساعدت على قيام هذا التنظيم, فانه يعتبر من انشط القنوات وأهمها فيما يتعلق بتنفيذ السياسة الصهيونية في افريقيا, وتشارك في أعماله وتنظيماته أكثر من 94% من الطبقة العاملة الصهيونية, هذا أحدث اغراء امام الافارقة, خاصة بعد الاستقلال, وذلك من اجل تنظيم طبقتهم العاملة, والهستدروت يلعب دورا في تنمية العلاقات مع افريقيا وذلك من خلال اجهزة انشأت داخله لهذا الغرض, فمثلا تقوم ادارة التعاون الدولي والعلاقات الدولية في الهستدروت بالاتصال المباشر مع نقابات العمال الافريقية, ويقوم بتقديم البعثات الدراسية والزيارات المجانية لزعماء النقابات العمالية في افريقيا (لاسرائيل) , كما ويقوم بتشجيع الهجرة الصهيونية الى (اسرائيل) , وقام الهستدروت بانشاء جامعة العمال في حيفا, ومن خلال استقدام المبعوثين الافارقة, يخلق من هؤلاء الافارقة كوادر افريقية لخدمة المسلكية الصهيونية. ج ــ الكنيست: دور البرلمانات في الدول المختلفة, يبقى محدودا فيما يتعلق بالسياسة الخارجية, لأن دورها محصورا في التصديق على المعاهدات, والبرلمان (الاسرائيلي) لا يشذ عن هذه القاعدة, حيث دوره محصور في التصديق على الاتفاقيات والمعاهدات التي تعقد مع افريقيا, ومع ذلك تقوم لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الصهيوني, بوضع الخطط العملية للعلاقة مع افريقيا, وهنالك لجان كثيرة داخل الكنيست تدخل افريقيا ضمن صلاحياتها, مثل اللجنة الاقتصادية واللجنة المالية ولجنة التعليم والثقافة, وهذه اللجان تقوم على رعاية المصالح (الصهيونية) في افريقيا وغيرها. د ــ الأجهزة الأمنية والعسكرية: لا تقل اهمية الاجهزة الامنية (الاسرائيلية) في خدمة التوجهات الاسرائيلية تجاه افريقيا عن باقي العوامل خاصة الخارجية, ولذلك نجد بأن المخابرات الصهيونية اوجدت قنوات خاصة للاتصال مع افريقيا, حيث قامت بانشاء دائرة خاصة تهتم بالشؤون الافريقية, تقوم هذه الدائرة برصد التحركات الافريقية وعلاقتهم مع العرب خاصة منظمة التحرير, كذلك تقوم الاجهزة العسكرية الصهيونية بتدريب كثير من الكواد العسكرية الافريقية في داخل (اسرائيل) , وكثير من هؤلاء القادة العسكريون أصبحوا فيما بعد قادة في بلدانهم, ومن بينهم الرئيس الاوغندي السابق عيدي أمين. هـ ــ الفعاليات الاكاديمية: هنالك معاهد ومؤسسات عديدة في (اسرائيل) تقوم بخدمة التوجهات الصهيونية في افريقيا, فمثلا معهد (وايزمان) للعلوم يقوم بعقد الندوات والمؤتمرات وبمشاركة افريقية, هذه المؤتمرات تناقش مشاكل الدول النامية والخطط المستقبلية للخروج بها من (شرنقة التخلف الى التقدم) !! وكذلك معبد (النخثيون) الذي يضع برامج علمية وهندسية لاستقدام الطلبة الافارقة على حسابه, وهنالك مؤسسة (هداسا) الطبية والتي تقوم بنشاطات طبية ولها فروع عديدة في كثير من الدول الافريقية, ولا ننسى دور الجامعة العبرية ودورها في استقدام الكثير من المبعوثين الافارقة, ومؤسسة جبل الكرمل الدولية. حاضر العلاقات الافريقية ــ (الاسرائيلية) : بعد عقد اتفاقية كامب ديفيد بين جمهورية مصر العربية و(اسرائيل) , بدأت الكثير من الدول الافريقية, والتي قطعت علاقاتها مع (اسرائيل) على اثر حرب رمضان ,1973 باعادة النظر في هذا التوجه, وفعلا أعادت كثير من الدول الافريقية علاقاتها الدبلوماسية مع (اسرائيل) لسابق عهدها, بل اكثر حدة وتطورا, والدول الافريقية التي ابقت على قطيعتها مع (اسرائيل) بعد كامب ديفيد اعادت علاقاتها مع (اسرائيل) بعد مؤتمر مدريد وبعد الاتفاق الفلسطيني ــ (الاسرائيلي) , بل وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي. ان (لاسرائيل) حضور مميز في القارة الافريقية في لحظة غياب عربي واضح, بالرغم من الجيرة العربية لافريقيا, والعلاقات الحضارية والعقائدية والاقتصادية معها, الغياب العربي واضح على الساحة الافريقية, فهل من عملية علاجية للعلاقة العربية ــ الافريقية. رئيس قسم العلوم السياسية الجامعة الاردنية*

Email