توطين وظائف الاعلام: مهمة استراتيجية: بقلم- د. محمد قيراط

ت + ت - الحجم الطبيعي

تنعم دولة الامارات العربية المتحدة ببنية اعلامية واتصالية جيدة حيث تعد من احسن البنى الموجودة على مستوى الوطن العربي او باقي الدول النامية. فالدولة تيقنت وتأكدت منذ انطلاقة الاتحاد ان عملية التنمية الشاملة لا تستطيع ان ترى النجاح ولا النور الا ببنية تحتية قوية وخاصة في ميدان المواصلات والاتصالات والاعلام . فدولة الامارات تتمتع اليوم بخمس جرائد يومية ناطقة باللغة العربية واربع ناطقة باللغة الانجليزية ناهيك عن القنوات الفضائية والقنوات الاذاعية ووكالة (وام) للانباء ــ التي تحتاج الى توسيع وتطوير وإعادة هيكلة ــ هذا اضافة الى اكثر من 60 دورية ومطبوعة تعنى بمختلف الميادين والمجالات وتنشر باللغتين العربية والانجليزية. ما يمكن قوله عن البنية التحتية الاعلامية في دولة الامارات انها في مستوى انجازات الدولة وما حققته في مختلف الميادين. كما اننا لا نستطيع ان ننكر الدور الفعال والايجابي في عملية البناء والتشييد في هذه الدولة التي لعبته مختلف المؤسسات الاعلامية بفضل الصحفيين والمسيرين والمسؤولين. في الاونة الاخيرة طرح للنقاش على اجندة المجلس الاستشاري موضوع الاعلام بمختلف جوانبه وزواياه ومنها محور التوطين واهمية وضرورة انجاح العملية الاعلامية والاتصالية بالاتحاد وهذا ايمانا من القيادة السياسية بالدولة ان الاعلام هو قطاع هام وحساس واستراتيجي يحتاج الى رجالات وكوادر تكون في مستوى الرسالة والمسؤولية. الاشكالية التي تحاول مناقشتها في هذا المقال هي مكانة القائم بالاتصال الاماراتي في العملية الاعلامية بدولة الامارات العربية المتحدة وهل العنصر المواطن موجود في الساحة ويقدم الرسالة الاعلامية الواجب تقديمها للرأي العام الاماراتي سواء فيما يتعلق بالمسائل المحلية او الاقليمية او العالمية, وهل انه يقدم ما عليه فيما يتعلق بشؤون التوعية والتثقيف وفضاءات التنمية الشاملة بمختلف دروبها ومجالاتها في الاتحاد. اهمية التوطين في قطاع الاعلام اهتمت القيادة السياسية في دولة الامارات في الشهور الماضية اهتماما بالغا بموضوع توطين الوظائف بالدولة وباشراك العنصر المواطن في مختلف القطاعات والمجالات خاصة القطاع الخاص. بالنسبة لوسائل الاعلام يكتسي الموضوع اهمية بالغة لان الرسالة الاعلامية هي قبل كل شيء منتوج فكري وسياسي وايديولوجي وثقافي واجتماعي وهذا يعني ان القائم على انتاج هذه البضاعة الفكرية التي تقدم للرأي العام الاماراتي محليا والتي تقدم للرأي العام جهويا واقليميا ودوليا باسم دولة الامارات العربية المتحدة يجب ان تحمل لا محال بصمات وامضاءات العنصر الاماراتي بكل ما تحمل الكلمة من معنى سواء من حيث المحتوى او اللكنة او اللباس او المظهر او المخزون اللغوي واللساني. هذا يعني ان فسح المجال لابن الامارات لخوض التجربة الاعلامية والعملية الاعلامية امر لا جدال حوله, وان التطور التي شهدته دولة الامارات العربية المتحدة في مختلف المجالات يجب ان يرافقه تطور على مستوى الطاقات والكوادر البشرية المواطنة. كما يجب كذلك ايجاد معادلة صحية وصحيحة ما بين خريجي الجامعة ومختلف الكليات من جهة والقطاع المستخدم سواء كان عاما ام خاصا من جهة اخرى. تجدر الاشارة هنا ان الكفاءات الصحافية والاعلامية العربية والاسيوية الوافدة لعبت دورا استراتيجيا ومازالت تلعب دورا بالغ الاهمية في عملية التنمية الشاملة بدولة الامارات العربية المتحدة وهذه الكفاءات من مختلف الجنسيات العربية والاسيوية وجدت مناخا مناسبا في هذه الدولة لاستعمال خبراتها ومهاراتها وتجاربها ومؤهلاتها ووضعتها في خدمة الدولة لا احد ينكر هذا لكن المطلوب الان وبعد مرور هذه الفترة كلها هو اقحام العناصر الشابة التي تخرجت من الجامعة ومختلف مؤسسات التعليم العالي واعطائها فرصة المساهمة والمشاركة في بناء وطنها بكل فخر واعتزاز. بيانات واحصاءات جامعة الامارات العربية وكليات التقنية العليا تشير الى تخرج عدد هائل من اصحاب الشهادات الجامعية في مختلف الاختصاصات الاعلامية وهذا يعتبر مؤشر جد ايجابي لانجاح عملية التوطين وتشجيع العناصر الوطنية الشابة من اكتساح مهنة المتاعب. من جهة اخرى نلاحظ الشكاوى المتكررة لخريجي الجامعة والكليات بشأن عدم وجود وظائف في قطاع الاعلام هذا القطاع الذي يطلب الخبرة والتجربة الى جانب الشهادة الجامعية. لكن يا ترى اين هو الخلل؟ خريجو الجامعة من حملة شهادة الاتصال الجماهيري متوفرون. صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة يؤكد ويصر على عملية التوطين وسمو الشيخ عبدالله بن زايد وزير الاعلام والثقافة يؤكد كذلك ويصر على توطين الوظائف في قطاع الاعلام وضرورة النهوض باعلام قوي وفعال, اعلام لا يعتمد التلميع والتملق وانما اعلام ينتهج كشف الاخطاء والتجاوزات والتناقضات كمذهب رئيسي من مذاهب عمله. هذا يعني ان الشروط والمستلزمات متوفرة وان صاحب القرار في الدولة مقتنع بضرورة واهمية عملية التوطين لكن من دون شك هناك بعض العراقيل والمشاكل. المشاكل والعراقيل ان عملية التوطين لا تتم بين عشية وضحاها وانما تحتاج الى خطة عملية مدروسة ومنتظمة كذلك يجب الانتباه الى الارتجال ومحاولة سبق الاحداث والمراحل. من اهم المشاكل التي يعاني منها خريج الجامعة ليتوظف في المؤسسة الاعلامية سواء في دولة الامارات او في باقي دول العالم مشكلة الخبرة وخريج الجامعة بطبيعة الحال لا تكون لديه خبرة لانه طوال حياته كان منشغلا بالدراسة وليس بالعمل وحتى اذا حاول ان يعمل بدون شهادة جامعية في اي مؤسسة اعلامية فانه لا يقبل وهكذا يجد الخريج نفسه في حلقة مفرغة. المشكل الرئيسي الثاني الذي يواجه الخريجة الجامعية في ميدان الاعلام والاتصال هو موقف العائلة والمجتمع ككل من مهنة الصحافة حيث يواجهها موقف سلبي في الكثير من الاحيان ناجم عن صور نمطية وصور مشوهة وخاطئة عن العمل الصحفي والعمل في المؤسسة الاعلامية بمختلف اشكالها وانواعها. مشكل آخر يحول دون اقبال الشباب الاماراتي على مهنة الصحافة والممارسة الاعلامية بصفة عامة هو ان مهنة المتاعب تتطلب الكثير من صاحبها ولا تعطيه الا القليل, اي ان الراتب والحوافز لا تشجع على الاقبال على العمل في المؤسسة الاعلامية. من المشاكل الاخرى التي توجه خريجة الجامعة للتوظف في المؤسسات الاعلامية ــ وهذا ليس في دولة الامارات فقط وانما يكاد ينسحب على دول العالم بكاملها ــ الحساسية الموجودة بين الجيل القديم والجيل الجديد وكذلك بين الجيل الجامعي والجيل الذي امتهن الصحافة وابداع فيها بدون الجلوس على مقاعد الدراسة في اقسام الصحافة والاعلام. وهذا الصراع بين الاجيال يؤدي دائما الى سوء تفاهم وصد الابواب امام الجيل الجديد من الاعلاميين والمبدعين. وفي حال دولة الامارات العربية المتحدة نلاحظ تعدد الجنسيات وتعدد المدارس والمفاهيم وبعض الاحيان المقاربات والاتجاهات, ورغم ان هذا التنوع والاختلاف يؤدي الى غنى تحسد عليه دولة الامارات الا انه كذلك له سلبياته ونقاط ضعفه. الحلول والاقتراحات ان عملية توطين وظائف الاعلام بالدولة تتطلب خطة محكمة ومدروسة من قبل وزارة الاعلام من جهة والمؤسسات التي تكون الكوادر الاعلامية من جهة ثانية والمؤسسات الاعلامية التي تستخدم هذه الكوادر من جهة ثالثة. وهذا يعني ان خريج الجامعة بالتنسيق مابين الوزارة والمؤسسة التي تكونه والمؤسسة الاعلامية بامكانه ان يتدرب ويعرف مسبقا المؤسسة التي يعمل فيها منذ السنة الاولى من التحاقه بالجامعة. نستنتج من هذا الكلام ان المؤسسة الاعلامية وضمن خطة التوطين من واجبها ان توفر التدريب العملي للطالب الجامعي وتعمل على استقطابه للعمل لديها, كما ان الوزارة يجب ان تنظم من فترة الى اخرى دورات تدريبية للقائمين بالاتصال القدماء منهم والجدد وهذا لمواكبة التطورات التكنولوجية والنظرية في المجال الاعلامي وثورة الاتصال والمعلومات. من جهة اخرى يجب على الطالب او الطالبة الجامعية ان تلتزم بالمؤسسة الاعلامية التي تسهر على تدريبها بعد الالتزام بحب المهنة والتفاني من اجلها. فعملية التوطين اذ تتوقف على التزام المؤسسة الاعلامية سواء كانت عامة ام خاصة في وضع برنامج وخطة واضحة المعالم تحدد فيها احتياجاتها من الاطارات والكوادر الصحفية على المدى القصير والمتوسط والبعيد وما هي استراتيجية استقطابها للعناصر الجامعية وكيفية تدريبها وتكوينها للقيام بالواجب كما ينبغي. بالنسبة لوزارة الاعلام فدورها يتحدد اساسا في الزام المؤسسات الاعلامية على توطين المهنة والمساهمة في عملية التدريب والتعليم المتواصل. الوزارة من جانبها كذلك يجب ان تلتزم ببوضع خطة لتدريب الكوادر الصحافية بصفة دورية مستمرة. الملاحظ ان نسبة كبيرة من القائمين بالاتصال في دولة الامارات العربية المتحدة هم من الاخوان الصحافيين من الدول العربية بالنسبة للمؤسسات الاعلامية الناطقة بالعربية اما بالنسبة للمؤسسات الناطقة باللغة الانجليزية فمعظمهم آسيويين يمارسون مهنة الصحافة في دولة عربية ومعظمهم لا يعرف حرفا واحدا من لغة الضاد وهذه مشكلة يجب ان تعالج مستقبلا. ونلاحظ ان ما يزيد عن 80% من الصحفيين في دولة الامارات العربية المتحدة وافدون, وان معظمهم لم يستفد ولو من تدريب واحد منذ ان التحق بمؤسسته الاعلامية. هذه الارقام تشير الى ضرورة التوطين واهمية التكوين والمتابعة العلمية والفنية للقائم بالاتصال في الدولة ذلك العنصر الذي يعمل على تكوين الرأي العام ويعمل على مسايرة ما يجري في المجتمع بايجابياته وسلبياته. العملية اذا تتطلب تعاون الجهات الثلاث: وزارة الاعلام من جهة والمؤسسات الجامعية والكليات التي تكون الكوادر الاعلامية والمؤسسات الاعلامية التي توظف هذه الاطارات واذا تهاونت جهة من هذه الجهات في التنسيق والتعاون والعمل على تنفيذ الاستراتيجية فإن العملية ستنتهي الى الفشل ويبقى الخلل باق, فوزارة الاعلام مطالبة بوضع اجراءات وقوانين تلزم بها المؤسسات الاعلامية باستقطاب العنصر المواطن وضمه الى المؤسسة اضافة الى تنظيم دورات تدريبية لضمان تطوير مهارات وخبرات الصحافيين والقائمين بالاتصال في الدولة سواء القدماء منهم او الجدد وسواء كانوا مواطنين او وافدين. لق حان الوقت لوضع الثقة في ابن الامارات كما حان الوقت بالنسبة للجيل الجديد من ابناء الامارات ان يرفعوا المشعل ويفرضوا وجودهم للقيام بالواجب الوطني واجب البناء والتشييد والتنمية الشاملة. ومهما توفرت الكفاءات والاطارات فإن ابن الامارات هو الاولى بمعرفة خبايا مجتمعه وابناء جلدته وهو الاولى بمعالجة هموم وقضايا مجتمعه ومهما علم الآخرون بهذه الامور فهو الاعلم ولا أحد سواه. قسم الاتصال الجماهيري ــ جامعة الامارات *

Email