ابجديات:بقلم -عائشة أبراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

انشغلت المرأة العربية في مطلع الستينات بقضيتها الأولى: حقوق المرأة, والدفاع عن مواقعها الانسانية, ودورها في الحياة, معلنة ان تراكمات عصور النفي والدونية لابد لها من نهاية عاجلة جدا. يومها ظهرت نوال السعداوي , وأمينة السعيد, وغادة السمان وفدوى طوقان, ونازك الملائكة... وغيرهن وكل كانت تحارب على جبهتها وبالسلاح الذي تتقن التصويب به تجاه الهدف يتساوى في ذلك الشعر والسينما والقصة والفن التشكيلي والكتابة الابداعية. ومنذ تلك الايام, انضم للقافلة عدد ضخم من الوجوه النسائية البارزة والمغمورة ومازالت الملفات مفتوحة والعضوية كذلك. شرط تحديد المحاور والاهداف , فاضاعة الوقت والجهد لم تعد علامة فارقة لهذا الزمان الذي تحسب ارباحه وخسائره بدقة متناهية, في الوقت الذي يوفر كل البدائل ويتيح كل الفرص ويبقى على المرأة ان تقرأ الواقع بعقلية اليوم وذكائه لا برومانسية الامس واندفاعاته, فلكل وقت استراتيجياته الخاصة. السؤال اليوم: بعد الرحلة الطويلة في أنفاق الواقع العربي بكل غباره وضوضائه وضيائه, هل تمكنت المرأة فعلا من تصحيح النظرة, وتغيير المواقع وترتيب الاوراق لصالحها؟ بمعنى اكثر دقة: هل حصلت على ما نادت به من حقوق ومواقع وحصون؟ اذن ــ واذا كانت الاجابة ايجابا ــ هل هذا يعني انه لم يعد للمرأة قضية؟ استطيع ان ازعم بأن اغلب الابواب التي طرقتها القافلة النسائية قد فتحت وان هذه القافلة قد ولجت عوالم اخرى غير عوالم الامس, وعليه فإن ايقاع اليوم يختلف تماما, وهموم المرأة لابد ان تغادر أطر الماضي, وبراويزه العتيقة التي حصرت في تصحيح المفاهيم البالية حول الانثوية والحريمية, وقوامة الرجل, والمساواة, ودورها الذي لايقل عن دوره في مخاضات الحضارة الانسانية. اليوم يبدو واضحا, أن على المرأة ان (تحارب) على جبهات اخرى, اذا كانت قد استساغت هذا الفعل الشرس, هذه الحرب لابد من نقلها الى جبهات وميادين اكثر أهمية وخطورة ووعورة, حيث ان المرأة التي (جاهدت) لمقاومة المصادرة خلف الجدران والالغاء النهائي لوجودها تحت مزاعم الدين والموروث, لا يمكن لها ان تنتهى الى لعبة جميلة في سلة الدعاية التجارية والسياسية, مطلوب منها ان تبتسم امام رجل يحلق ذقنه, او يركب سيارته او تروج لاطارات السيارات, او بلاط الحمامات, او تكون جزءا من حملات دعائية انتخابية مضللة, او سيدة تقضى اغلب يومها امام جهاز المصادرة العقلية (التلفزيون) او بين يدي صاحبة صالون ثرثارة, او مترنحة امام (فاترينات) السلع الاستهلاكية او .. او. مطلوب منها ان تبدأ مسيرة اخرى تستعيد بها نفسها من حياة الترف والاستهلاك والالغاء التي اختارتها بنفسها, هذه المرة مطلوب منها ادوار اكثر استفزازا وصلابة, لان المسموح به والمتاح من الحرية والتعليم لايدع لها فرصة للاعتذار اطلاقا.

Email