لا نريد دولة فلسطينية ضعيفة: بقلم- احمد عامر شعث

ت + ت - الحجم الطبيعي

يؤكد رئيس السلطة الفلسطينية كلما سنحت الفرصة ان الدولة الفلسطينية قادمة لا محالة وان اعلان سيادتها ليس إلا مسألة وقت يتم فيه الاتفاق على الترتيبات العامة والنهائية التي يتوجب اعدادها لاقامة دولة فلسطينية. ويجب التنسيق مع كافة جيران الدولة الفلسطينية لضمان عدم الاضرار بهم وبأمنهم وبنفس الوقت لاعطاء حكومة هذه الدولة المصداقية والحرية في اداء مهماتها الموكلة اليها بفعالية ومرونة ومن اهم المواضيع العالقة والتي يجب حلها والتفاوض على احكامها قبل وليس بعد اقامة الدولة هو انشاء احتياطي عام للبنك المركزي يؤهله لاصدار العملة الرسمية للدولة ومن ثم حمايتها في اسواق العملات العالمية من متاجرة التجار الذين قد يحلو لهم اللعب في قيمتها واسعارها. ويتطلب انشاء دولة كذلك وضع دستور قومي شامل (لا يحتوي على عبارات مناهضة لاي دولة بالعالم) اضافة الى تكوين بنية تحتية شاملة وغير ذلك الكثير. وحيث ان السلطة الوطنية الفلسطينية هي في الاساس منظمة التحرير الفلسطينية فان التمثيل الدبلوماسي الذي تتمتع به المنظمة في اكثر من 82 دولة حول العالم قد انتقل تلقائيا للسلطة مع العلم ان اكثر من 120 دولة قد اعلنت اعترافها بالسلطة الفلسطينية حتى الان ولذا فان الدولة الفلسطينية المقبلة لديها الاعتراف والوجود الدبلوماسي اللازمين لاقامة دولة. الا ان المخاوف التي تتردد في الكثير من العواصم العالمية ومنها العربية والاسلامية كذلك تشكك في مدى قدرة اي حكومة فلسطينية في ان تنجح في السيطرة الامنية والسياسية والاجتماعية التي يجب ان تتوفر لقيام دولة ثابتة وقوية. وفي الحقيقة فانه ليس واقعيا او منطقيا ان يتم قياس مدى نجاح الدولة الفلسطينية الموجودة حاليا ستختلف كلية مع وجود دولة ذات سيادة ومستقلة. واول هذه المتغيرات الانفراج الاقتصادي الذي ستشهده هذه الدولة. وسيكون هناك مطار يسهل الانتقال من والى هذه الدولة وخصوصا التنقل لرجال الاعمال مما سيساعد في اقامة علاقات تجارية مع دول اخرى. وسيكون الميناء الذي يتم انشاؤه في غزة حجر اساس وركيزة هامة يعتمد عليها الاقتصاد الفلسطيني في الاستيراد او التصدير وسيعطي وجود المعبر الامن والواصل بين الضفة الغربية وغزة مرونة في انتقال الايدي العاملة الى حيث يكون الاحتياج وكذلك البضائع والسلع مما سيفسح المجال امام التجار الفلسطينيين للوصول بمنتجاتهم الى جميع انحاء السوق الفلسطيني. وثاني هذه المتغيرات هو الانفراج الامني فجميع الدراسات والتحليلات والبحوث التي تم اجراؤها تشير الى ان الاوضاع الاقتصادية السيئة عادة ما تكون مقدمة لانفجار وثورة شعبية اما سياسية قد تطيح بالحكومة او ينتج عنها اصلاحات عامة شاملة او احيانا ثورة دينية مثلما حدث في ايران عام 1979 فالانفراج الاقتصادي سيصاحبه ثقة ودعم جماهيري اقوى للدولة الفلسطينية وسيؤدي الى حالة قبول وقناعة بما تم انجازه وبالتالي تخفيف حدة المعارضة لاتفاقات السلام بل وربما تهميش تأثيرها. ويجب الاشادة هنا بسياسة التعقل التي اتبعتها السلطة الفلسطينية وحماس والتي ادت الى عدم اندلاع حرب اهلية فلسطينية وصراع على السلطة كما كان الكثير من الاوساط السياسية تتوقع حين اعلن عن قيام سلطة الحكم الذاتي. اما الان فان اكثر السياسيين تشاؤما لا يرى امكانية اندلاع مثل هذه الاشتباكات الداخلية في حال قيام الدولة الفلسطينية وتبقى مشكلة امن الحدود هي العائق الاساسي والرئيسي للتقدم نحو اعلان الدولة فهناك مخاوف ــ لها مبرراتها ــ من ان الدولة الفلسطينية ستعجز عن السيطرة على التيارات الاصولية المسلحة والتي تحارب اسرائيل مع ان جميع المؤشرات تشير الى ان التأييد الشعبي والمادي والمعنوي الذي تحظى به ليس الا نتيجة للضغوط الاقتصادية التي يعاني منها الاهالي ونتيجة لخيبة الامل في عدم احراز تقدم على المسار التفاوضي. ويجب على الدولة الفلسطينية ان كانت تريد الاستمرار والازدهار ان تتصرف بحزم مع كثير من الامور فالاحداث التي تدور في افغانستان وفي الجزائر والسودان كلها علامات خطر يجب تجنبها. ومن الخطأ ان نعتقد ان الدولة الفلسطينية ستكون مسؤولة عن امن الدول المحيطة بها بمفردها فالاردن واسرائيل ومصـر سيكون عليهم نصف المسؤولية كاملة في الحد من دخول المتفجرات المستخدمة وتنقل العناصر النشطة وغير ذلك. ومن المرجح ان تسود علاقات حميمة وقوية علاقة الدولة الفلسطينية مع جيرانها العرب ربما باستثناء سوريا التي لا تعترف حتى الان بوجود سلطة فلسطينية. فالصداقة الشخصية بين ياسر عرفات وحسني مبارك تنعكس بعلاقات فلسطينية ــ مصـرية قوية على جميع المستويات ويتلقى العديد من الكوادر الفلسطينية تدريباتهم لدى الجهات المصـرية التي تدعم اقامة دولة فلسطينية دعما غير مشروط. واما عن الاردن فان المصالح الاقتصادية المرتبطة بوجود الدولة الفلسطينية ستساهم في دعم العلاقات المتذبذبة وغير الهادئة التي عانت منها العلاقات بينهما لفترة طويلة ومن المرجح الا يتضرر الاردن اقتصاديا من اقامة دولة فلسطينية ذلك ان حجم المبادلات التجارية سيشهد نموا مضطردا اضافة الى عدم تخوفه من اي عملية فدائية او هجمات كونه يتمتع بعلاقات جيدة مع المعارضة الفلسطينية من الداخل (حماس) ومن الخارج. ولن يكون امام اسرائيل في هذه الحالة اي اختيار سوى مساندة الحكومة الفلسطينية في التغلب على العقبات التي ستواجهها ومن ضمنها نقل الصلاحيات والمساهمة في توفير البنية التحتية والسماح بمرور حر للفلسطينيين لما سينتج عن تعاونهم زيادة في الصادرات واستتباب امني وازدهار سياحي. اما عن العقبات المدنية فانه من السهل التعامل معها ومخاطرها فالمشاكل الاجتماعية التي تعاني منها مناطق السلطة الفلسطينية ستستفيد من الاستقرار الامني والسياسي والاقتصادي الذي سيصاحب اعلان قيام الدولة. المشكلة الاساسية الاولى هي مشكلة عدم توافر الرعاية الصحية وبرامج الوقاية الطبية وصحة الاطفال وجميع الخدمات الطبية المصاحبة ــ والمعفاة من ضرائب الاستيراد ــ حيث سيتمكن المستوردون من استيراد الادوية او حتى تصنيعها بكميات اكثر مع توافر شبكات الربط والمواصلات وشركات الشحن والاستيراد والتصدير. ومن المشاكل الاخرى التي سيسهل حلها هو القيام بتوفير او تطوير عناصر البنية الهيكلية التحتية اللازمة كالكهرباء وتحلية المياه وتوفير شبكات الري ووسائل الاتصال الحديثة ومراكز الشرطة والاطفاء وزيادة عدد المدارس وتحديث وتوسيع الطرقات وغيرها والتي يحاول الفلسطينيون حاليا جاهدين تطويرها, ويرى الخبراء ان هذا العمل سيستغرق خمس سنوات اخرى على الاقل للوصول الى المستويات المطلوبة حاليا. وقد برهن الفلسطينيون خلال الخمس سنوات الماضية على انهم لديهم القدرة على التحول من منطق ونظام ادارة حركة تحرر الى اسلوب ادارة دولة ويتجلى هذا بالسهولة التي تم فيها الانتقال وبالتنظيم الذي تسير عليه المعاملات الرسمية بالرغم من الصعوبات البالغة في توفير وسائل الاتصال من تليفون وفاكس وخطوط دولية وغيرها. والاهم من كل هذا فان السلطة الفلسطينية الحالية هي من يجب ان يكون اكثر المتخوفين من وجود دولة فلسطينية مستقبلية ضعيفة وسط ظروف سياسية صعبة ومتغيرة باستمرار ووسط قوى عسكرية عملاقة مثل اسرائيل ومصـر وسوريا وتركيا والخوف هنا ليس من اعتداء خارجي بل من ان الاوضاع الاقتصادية السيئة عادة ما ينتج عنها غضب جماهيري قد تؤدي في النهاية الى زعزعة الاستقرار المدني. ومن ضمن الحلول المقترحة لتخفيف كاهل نفقات التسليح الباهظة ولضمان عدم الاخلال بميزان القوى الحالي في الشرق الاوسط اضافة الى مبادرة حسن نية فانه من الممكن للدولة الفلسطينية ان تكون منزوعة السلاح (لمدة محدودة) وتتولى كافة الدول المحيطة بها مسؤولية حمايتها والتعهد باحترام سيادتها واستقلاليتها وعدم الاعتداء عليها تماما مثل سويسرا التي لا تملك جيوشا مؤهلة بل ميليشيات شبه عسكرية مزودة بأسلحة دفاعية خفيفة ومتوسطة. لذا فان اي ضعف في كيان الدولة الفلسطينية وقدرتها على فرض القانون والنظام سينعكس سلبا بالتالي على مدى قدرتها على ايقاف اي تدخلات خارجية في شؤونها الداخلية.

Email