أبجديات: بقلم - عائشة إبراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

كيف مرت تجربة المرض التي ابتليت بها مؤخرا؟ سألتها وانا اعرف انها كانت تجربة قاسية ومؤلمة جدا, ولم اتوقع ردها حين فاجأتني قائلة: كانت تجربة جميلة !! جميلة؟ المرض تجربة جميلة؟ نعم! تمر الايام وتنقضي اللحظات كدهر ثقيل, بالكاد تستطيع ان تحرك جسدك ولكن ذلك لايستغرق عمرا ,ما يبقى في الخاطر هو الاهم. ما يبقى في الخاطر, انك حين كنت طريح الفراش, بلا حول ولا قوة, كانت قوة اخرى تنبعث من داخلك تجعلك قادرا على الولوج في فضاءات عجيبة, تصحو من غفوتك فإذا بك ذاكرة وهاجة تلتمع احلامك, واصدقاءك ومعابر حياتك كلها امامك في لحظة صادقة لاتنكرها ولكنك قد تنكر نفسك خلالها ورغم ذلك تبتهج. ما يبقى في خاطرك أنك لم تكن معطلا أبدا, كنت ذاتا محلقة سقطت فجأة, تلفت حولك فوجدت المكان مملوءا بوجوه جميلة تحيطك بحنان خالص, فتشعر بمتعة الحاجة للآخرين. متعة الحاجة للآخرين تنسفك من قواعدك, لانك لم تفكر يوما ان وجود الآخرين في وقتك كله, وفي شرايين جسدك يمكن ان يكون متعة, المتعة هنا انك احسست بكائنات لطيفة تتنزه على حدود عالمك, تؤنسك, دون ان تطلب منك شيئا. في كل حياتك انت شخص ضعيف, ضعيف الى الدرجة التي يصبح فيها النهوض من السرير عملا بطوليا , والمشي خطوات لتناول وجبة طعامك حركة خارقة! وتردد بصوت عال, ولا تخجل من ابداء ضعفك امام المحيطين الطيبين, هل يمكن ان يصل الانسان لهذه الحالة من الضعف؟! وكأنك تكتشف قارة جديدة او نظرية مبهمة. اذا لم تعترف بضعفك في حالة المرض , واذا لم تشعر بمتعة الحاجة للآخرين في اثنائها واذا لم تتعلم من شراسة المرض وهمجيته, اذا, فلن تعترف ابدا ولن تشعر ابدا ولن تتعلم ابدا طوال حياتك. وعندما تتعافى, وتعود اللحظات بهية خفيفة, تتذكر كل ما مر بك, وتحتفظ في داخلك ان شئت بحقيقة جمال المرض! وتعرف بان الجمال هنا ليس قشرة الخارج ولكنه جوهر الاشياء وحقيقتها.

Email